عندما يجلس المشاهد العربي أمام الفضائيات يكاد ينتابه شعور ـ أو قل اعتقاد شبه جازم ـ بأن أكثر هذه الفضائيات تبحث عن الفضائح والمثيرات لتستقطب بها أكبر عدد من المشاهدين.. فلا شك أن فضائح الهواء على القنوات الخاصة لها طعم مغاير تماماً للفضائح «البايتة» التي يقرأها الناس في الصحف والمجلات، كما تختلف تماماً عن الفضائح «المعدلة وراثياً» التي تبثها القنوات الرسمية.
وعلى رغم كل ما يكتب ويقال ـ على سبيل التنظير ـ من ضرورة اتباع الأخلاقيات السامية والقيم الرفيعة في شأن المناقشات والحوارات بين المسؤولين، ورجال السياسة، والمثقفين، وغيرهم ممن يفترض بهم التحضّر في التعامل حتى في لحظات الخلاف الحامي، إلا أن احتدام المعارك الكلامية وتأججها يحقق نسب قراءة ومتابعة عالية جداً، فما بالك لو كانت تلك المعارك مرئية وعلى الهواء مباشرة؟
وبدلاً من الاكتفاء بمتابعة المباريات الكروية خصوصا والرياضية عموما، وتبادل الأحاديث في اليوم التالي بين المواطنين حولها، حولت الفضائيات دفة الاحاديث - أو بالأحرى وسعّت نطاقها - لتشمل مباريات حزبية وخناقات ثقافية وأمورا أخرى لا تتوفر إلا على الهواء مباشرة في الفضائيات غير الرسمية.
فالقيود المفروضة على القنوات الرسمية عموماً من ضرورة الاحتفاظ بهالة الوقار، والالتزام، وتذويق الكلام وتزيينه، وانتقاء شخصيات من دون غيرها للمحافظة على توازنات معقدة على رغم هامش «الحرية» الآخذ في الاتساع، غير وارد لدى الكثير من الفضائيات غير الرسمية، والتي يعتمد رفع نسب المشاهدة فيها على عنصر الجذب من خلال ما تقدّمه من جديد وغريب ومثير بكل معاني الإثارة وساعد على تأجيج هذه الإثارة في الأشهر القليلة الماضية المناخ السياسي العام و «الانفراجة» النسبية في الحراك الشعبي السائد، والمصحوب بـ «سعة صدر» النظام في بعض الدول.
ويستمتع المشاهدون كل ليلة بتتبع الحوارات الساخنة التي لا تخلو من مشادات كلامية عنيفة بين أقطاب الاحزاب السياسية المتناحرة، وفي داخل الأحزاب ذاتها، باستثناء الأحزاب الحاكمة طبعا، وبين أقطاب النوادي الرياضية المتناحرين، حتى أن الفضائيات باتت تحرص على إرسال كاميراتها لتتبع مجريات الأمور في البؤر الساخنة على أبواب بعض النوادي وفي داخلها.
و بعدما كانت أصابع الاتهام تتجه نحو فضائيات بعينها باعتبارها المحرض الأول على «الصوت العالي» وتسخين الضيوف للخروج منهم بأشرس النبرات وأعتى الردود صارت هذه سمة شبه عامة في كل الفضائيات تقريبا بلا استثناء.
فهل ياترى تركت فضائياتنا دورها الريادي وتأثيرها الثقافي لمجرد جذب أكبر عدد من المشاهدين، أو لمجرد أنّ "الجمهور عاوز كده"؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياة: 15518 (بتصرف يسير)