الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين ( 58 ) )

يقول تعالى ذكره : ( وكم أهلكنا من قرية ) أبطرتها ( معيشتها ) فبطرت ، وأشرت ، وطغت ، فكفرت ربها .

وقيل : بطرت معيشتها ، فجعل الفعل للقرية ، وهو في الأصل للمعيشة ، كما يقال : أسفهك رأيك فسفهته ، وأبطرك مالك فبطرته ، والمعيشة منصوبة على التفسير .

وقد بينا نظائر ذلك في غير موضع من كتابنا هذا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ) قال : البطر : أشر أهل الغفلة وأهل الباطل والركوب لمعاصي الله ، وقال : ذلك البطر في النعمة ( فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن ) [ ص: 603 ] يقول : فتلك دور القوم الذين أهلكناهم بكفرهم بربهم ، ومنازلهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا يقول : خربت من بعدهم ، فلم يعمر منها إلا أقلها ، وأكثرها خراب . ولفظ الكلام وإن كان خارجا على أن مساكنهم قد سكنت قليلا فإن معناه : فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا منها ، كما يقال : قضيت حقك إلا قليلا منه .

وقوله : ( وكنا نحن الوارثين ) يقول : ولم يكن لما خربنا من مساكنهم منهم وارث ، وعادت كما كانت قبل سكناهم فيها ، لا مالك لها إلا الله ، الذي له ميراث السماوات والأرض .

التالي السابق


الخدمات العلمية