جوهر
الأمير الكبير ، قائد الجيوش أبو الحسن ، جوهر الرومي المعزي ، من نجباء الموالي .
قدم من جهة مولاه المعز في جيش عظيم في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، فاستولى على إقليم مصر وأكثر الشام ، واختط القاهرة ، وبنى بها دار الملك ، وكان عالي الهمة ، نافذ الأمر ، وتهيأ له أخذ البلاد بمكاتبة من أمراء مصر ، قلت عليهم الأموال ، ولما وصلت كتائب العبيدية - وكانوا [ ص: 468 ] نحوا من مائة ألف - بعث إلى جوهر وجوه المصريين يطلبون الأمان وتقرير أملاكهم ، فأجابهم ، وكتب بذلك عهدا ، واختلفت كلمة الإخشيذية ، ووقع حرب يسير . وقيل : بل قتل خلق من الإخشيذية ، وانهزم الباقون ، ثم نفذوا يطلبون أمانا ، فأمنهم جوهر ، ومنع جيشه من نهب الرعية ، وفتحت أسواق مصر ، ثم دخل في هيئة الملوك ، وعليه قباء ديباج ، فحفر لليلته أساس قصر الخلافة ، وبعث إلى المعز برءوس القتلى ، وقطعت الخطبة العباسية ، وألبس الخطباء البياض ، وأذنوا بحي على خير العمل .
وكان جوهر هذا حسن السيرة في الرعايا ، عاقلا أديبا ، شجاعا ، مهيبا ، لكنه على نحلة بني عبيد التي ظاهرها الرفض ، وباطنها الانحلال ، وعموم جيوشهم بربر وأهل زعارة وشر ، لا سيما من تزندق منهم ، فكانوا في معنى الكفرة ، فيا ما ذاق المسلمون منهم من القتل ، والنهب ، وسبي الحريم ، ولا سيما في أوائل دولتهم ، حتى إن أهل صور قاموا عليهم وقتلوا فيهم ، فهربوا ، حتى إن أهل صور استنجدوا بنصارى الروم فجاءوا في المراكب ، وكان أهل صور قد لحقهم من المغاربة من الظلم ، والجور ، وأخذ الحريم من الحمامات والطرق أمر كبير .
وقد خرج على جوهر هفتكين التركي ، فالتقاه فانهزم جوهر وتحصن بعسقلان ، فحاصره سبعة عشر شهرا ، ثم طلب الأمان فأمنه ، فذهب إلى مصر ، ودخل وبين يديه من أحمال المال ، ألف ومائتا صندوق .
ولقد كان المعز في زمانه أعظم بكثير من خلفاء بني العباس .
مات في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة .