المسألة الثالثة
وهي أنه ، ولا القصد إليها ، بل المقصود منه الجريان تحت الأحكام الموضوعة لا غير ، أسبابا كانت أو غير أسباب ، معللة كانت أو غير معللة . لا يلزم في تعاطي الأسباب من جهة المكلف الالتفات إلى المسببات
والدليل على ذلك ما تقدم من أن المسببات راجعة إلى الحاكم المسبب ، وأنها ليست من مقدور المكلف ، فإذا لم تكن راجعة إليه ، فمراعاته ما هو راجع لكسبه هو اللازم ، وهو السبب ، وما سواه غير لازم ، وهو المطلوب .
وأيضا ; فإن من المطلوبات الشرعية ما يكون للنفس فيه حظ ، وإلى جهته ميل ، فيمنع من الدخول تحت مقتضى الطلب ، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يولي على العمل من طلبه ، والولاية الشرعية كلها مطلوبة ; إما [ ص: 309 ] طلب الوجوب أو الندب ، ولكن راعى عليه السلام في ذلك ما لعله يتسبب عن اعتبار الحظ ، وشأن طلب الحظ في مثل هذا أن ينشأ عنه أمور تكره ، كما سيأتي بحول الله تعالى ، بل قد راعى عليه السلام مثل هذا في المباح ، فقال : الحديث ; فشرط في قبوله عدم إشراف النفس ، فدل على أن أخذه بإشراف على خلاف ذلك ، وتفسيره في الحديث الآخر : ما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف فخذه ، وأخذه بحقه هو أن لا ينسى [ ص: 310 ] حق الله فيه ، وهو من آثار عدم إشراف النفس ، وأخذه بغير حقه خلاف ذلك ، وبين هذا المعنى الرواية الأخرى : من يأخذ مالا بحقه يبارك له فيه ، ومن يأخذ مالا بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع أو كما قال : نعم صاحب المسلم هو من أعطى منه المسكين واليتيم ، وابن السبيل . وإنه من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ، ويكون عليه شهيدا يوم القيامة
ووجه ثالث ، وهو أن العباد من هذه الأمة ـ ممن يعتبر مثله هاهنا ـ أخذوا أنفسهم بتخليص الأعمال عن شوائب الحظوظ حتى عدوا ميل النفوس إلى بعض الأعمال الصالحة من جملة مكائدها ، وأسسوها قاعدة بنوا عليها ـ في تعارض الأعمال وتقديم بعضها على بعض ـ أن يقدموا ما لا حظ للنفس فيه أو ما ثقل عليها ، حتى لا يكون لهم عمل إلا على مخالفة ميل النفس ، وهم الحجة فيما انتحلوا ; لأن إجماعهم إجماع ، وذلك دليل على صحة الإعراض عن المسببات في الأسباب ، وقال عليه السلام إذ سأله جبريل عن الإحسان : ، وكل تصرف للعبد [ ص: 311 ] تحت قانون الشرع فهو عبادة ، والذي يعبد الله على المراقبة يعزب عنه ـ إذا تلبس بالعبادة ـ حظ نفسه فيها ، هذا مقتضى العادة الجارية بأن يعزب عنه كل ما سواها ، وهو معنى بينه أهله أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ; فإنه يراك وغيره . كالغزالي
فإذا ليس من شرط الدخول في الأسباب المشروعة الالتفات إلى المسببات ، وهذا أيضا جار في الأسباب الممنوعة كما يجري في الأسباب المشروعة ، ولا يقدح عدم الالتفات إلى المسبب في جريان الثواب والعقاب ; فإن ذلك راجع إلى من إليه إبراز المسبب عن سببه ، والسبب هو المتضمن له ، فلا يفوته شيء إلا بفوت شرط أو جزء أصلي أو تكميلي في السبب خاصة .