الجملة الثالثة
في الرجعة بعد الطلاق
- ولما كان الطلاق على ضربين : بائن ، ورجعي ; وكانت أحكام الرجعة بعد الطلاق البائن غير أحكام الرجعة بعد الطلاق الرجعي وجب أن يكون في هذا الجنس بابان :
الباب الأول : في أحكام الرجعة في الطلاق الرجعي .
الباب الثاني : في أحكام الارتجاع في الطلاق البائن .
[ ص: 463 ] الباب الأول
في أحكام الرجعة في الطلاق الرجعي .
- وأجمع المسلمون على أن من غير اعتبار رضاها لقوله تعالى : ( الزوج يملك رجعة الزوجة في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ) . وأن من شرط هذا الطلاق تقدم المسيس له ، واتفقوا على أنها تكون بالقول والإشهاد .
واختلفوا هل شرط في صحتها أم ليس بشرط ؟ وكذلك اختلفوا هل تصح الرجعة بالوطء ؟ الإشهاد
فأما الإشهاد : فذهب مالك إلى أنه مستحب . وذهب إلى أنه واجب . الشافعي
وسبب الخلاف : معارضة القياس للظاهر : وذلك أن ظاهر قوله تعالى : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) يقتضي الوجوب ، وتشبيه هذا الحق بسائر الحقوق التي يقبضها الإنسان يقتضي أن لا يجب الإشهاد ، فكان الجمع بين القياس والآية حمل الآية على الندب .
وأما اختلافهم فيما تكون به الرجعة ، فإن قوما قالوا : فقط ، وبه قال لا تكون الرجعة إلا بالقول . وقوم قالوا : الشافعي ، وهؤلاء انقسموا قسمين : تكون رجعتها بالوطء
فقال قوم : لا تصح الرجعة بالوطء إلا إذا نوى بذلك الرجعة ، لأن الفعل عنده يتنزل منزلة القول مع النية ، وهو قول مالك . وأما أبو حنيفة فأجاز الرجعة بالوطء إذا نوى بذلك الرجعة ودون النية .
فأما : فقاس الرجعة على النكاح ، وقال : قد أمر الله بالإشهاد ، ولا يكون الإشهاد إلا على القول . الشافعي
وأما سبب الاختلاف بين مالك ، وأبي حنيفة : فإن يرى أن الرجعية محللة الوطء عنده قياسا على المولى منها وعلى المظاهرة ولأن الملك لم ينفصل عنده ، ولذلك كان التوارث بينهما . وعند أبا حنيفة مالك أن وطء الرجعية حرام حتى يرتجعها ، فلا بد عنده من النية . فهذا هو اختلافهم في شروط صحة الرجعة .
واختلفوا في مقدار ما يجوز للزوج أن يطلع عليه من المطلقة الرجعية ما دامت في العدة ، فقال مالك : لا يخلو معها ولا يدخل عليها إلا بإذنها ، ولا ينظر إلى شعرها ، ولا بأس أن يأكل معها إذا كان معهما غيرهما . وحكى ابن القاسم أنه رجع عن إباحة الأكل معها . وقال أبو حنيفة : لا بأس أن تتزين الرجعية لزوجها ، وتتطيب له وتتشوف وتبدي البنان والكحل ، وبه قال ، الثوري وأبو يوسف ، ، وكلهم قالوا : لا يدخل عليها إلا أن تعلم بدخوله بقول أو حركة من تنحنح أو خفق نعل . والأوزاعي
واختلفوا في هذا الباب في الرجل يطلق زوجته طلقة رجعية وهو غائب ، ثم يراجعها ، فيبلغها الطلاق ولا تبلغها الرجعة ، فتتزوج إذا انقضت عدتها :
فذهب مالك إلى أنها للذي عقد عليها النكاح ، دخل بها أو لم يدخل ، هذا قوله في الموطأ ، وبه قال الأوزاعي والليث . وروى عنه ابن القاسم أنه رجع عن القول الأول ، وأنه قال : الأول أولى بها إلا أن يدخل الثاني ، وبالقول الأول قال المدنيون من أصحابه قالوا : ولم يرجع عنه لأنه أثبته في موطئه إلى يوم مات وهو يقرأ عليه ، وهو قول ورواه عنه عمر بن الخطاب مالك في الموطأ .
وأما ، الشافعي والكوفيون ، وأبو حنيفة وغيرهم فقالوا : زوجها الأول الذي ارتجعها أحق بها [ ص: 464 ] دخل بها الثاني أو لم يدخل ، وبه قال داود ، ، وهو مروي عن وأبو ثور علي وهو الأبين .
وقد روي عن رضي الله عنه أنه قال في هذه المسألة : إن الزوج الذي ارتجعها مخير بين أن تكون امرأته أو أن يرجع عليها بما كان أصدقها . عمر بن الخطاب
وحجة مالك في الرواية الأولى : ما رواه ابن وهب عن يونس عن عن ابن شهاب أنه قال : سعيد بن المسيب ، ولكنها لمن تزوجها ، وقد قيل إن هذا الحديث إنما يروى عن مضت السنة في الذي يطلق امرأته ثم يراجعها فيكتمها رجعتها حتى تحل فتنكح زوجا غيره أنه ليس له من أمرها شيء فقط . ابن شهاب
وحجة الفريق الأول : أن العلماء قد أجمعوا على أن الرجعة صحيحة وإن لم تعلم بها المرأة ، بدليل أنهم قد أجمعوا على أن الأول أحق بها قبل أن تتزوج ، وإذا كانت الرجعة صحيحة كان زواج الثاني فاسدا ، فإن نكاح الغير لا تأثير له في إبطال الرجعة لا قبل الدخول ولا بعد الدخول ، وهو الأظهر إن شاء الله ، ويشهد لهذا ما خرجه الترمذي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سمرة بن جندب " . أيما امرأة تزوجها اثنان فهي للأول منهما ، ومن باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما