الباب الثاني .
[ علامات الطهر والحيض والنفاس والاستحاضة ]
- أما معرفة علامات انتقال هذه الدماء بعضها إلى بعض ، وانتقال الطهر إلى الحيض ، والحيض إلى الطهر ، فإن معرفة ذلك في الأكثر تنبني على معرفة أيام الدماء المعتادة ، وأيام الأطهار ، ونحن نذكر منها ما يجري مجرى الأصول وهي سبع مسائل :
المسألة الأولى
[ مدة الحيض والطهر ]
اختلف العلماء في أكثر أيام الحيض ، وأقلها ، وأقل أيام الطهر ، فروي عن مالك أن خمسة عشر يوما ، وبه قال أكثر أيام الحيض ، وقال الشافعي أبو حنيفة : أكثره عشرة أيام ، وأما فلا حد لها عند أقل أيام الحيض مالك ، بل قد تكون الدفعة الواحدة عنده حيضا ، إلا أنه لا يعتد بها في الأقراء في الطلاق .
وقال : أقله يوم وليلة ، وقال الشافعي أبو حنيفة : أقله ثلاثة أيام .
وأما فاضطربت فيه الروايات عن أقل الطهر مالك ، فروي عنه عشرة أيام ، وروي عنه ثمانية أيام ، وروي خمسة عشر يوما ، وإلى هذه الرواية مال البغداديون من أصحابه ، وبها قال ، الشافعي وأبو حنيفة ، وقيل سبعة عشر يوما ، وهو أقصى ما انعقد عليه الإجماع فيما أحسب .
[ ص: 47 ] وأما ، فليس له عندهم حد . أكثر الطهر
وإذا كان هذا موضوعا من أقاويلهم ، فمن كان لأقل الحيض عنده قدر معلوم وجب أن يكون ما كان أقل من ذلك القدر إذا ورد في سن الحيض عنده استحاضة ، ومن لم يكن لأقل الحيض عنده قدر محدود وجب أن تكون الدفعة عنده حيضا ، ومن كان أيضا عنده أكثره محدودا وجب أن يكون ما زاد على ذلك القدر عنده استحاضة ، ولكن محصل مذهب مالك في ذلك : أن النساء على ضربين : مبتدأة ومعتادة .
: تترك الصلاة برؤية أول دم تراه إلى تمام خمسة عشر يوما ، فإن لم ينقطع صلت ، وكانت مستحاضة ، وبه قال فالمبتدأة ، إلا أن الشافعي مالكا قال : تصلي من حين تتيقن الاستحاضة ، وعند أنها تعيد صلاة ما سلف لها من الأيام ، إلا أقل الحيض عنده وهو يوم وليلة . الشافعي
وقيل عن مالك : بل تعتد أيام لداتها ، ثم تستظهر بثلاثة أيام ، فإن لم ينقطع الدم فهي مستحاضة .
وأما : ففيها روايتان عن المعتادة مالك : إحداهما : بناؤها على عادتها ، وزيادة ثلاثة أيام ما لم تتجاوز أكثر مدة الحيض .
والثانية : جلوسها إلى انقضاء أكثر مدة الحيض ، أو تعمل على التمييز إن كانت من أهل التمييز .
وقال : تعمل على أيام عادتها . الشافعي
وهذه الأقاويل كلها المختلف فيها عند الفقهاء في أقل الحيض وأكثره وأقل الطهر لا مستند لها إلا التجربة والعادة ، وكل إنما قال من ذلك ما ظن أن التجربة أوقفته على ذلك ، ولاختلاف ذلك في النساء عسر أن يعرف بالتجربة حدود هذه الأشياء في أكثر النساء ، ووقع في ذلك هذا الخلاف الذي ذكرنا ، وأجمعوا بالجملة على أن الدم إذا تمادى أكثر من مدة أكثر الحيض أنه استحاضة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثابت لفاطمة بنت حبيش : " " والمتجاوزة لأمد أكثر أيام الحيض قد ذهب عنها قدرها ضرورة . فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة ، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي
وإنما صار الشافعي ومالك - رحمه الله - في المعتادة في إحدى الروايتين عنه إلى أنها تبني على عادتها لحديث الذي رواه في الموطأ : " أم سلمة " فألحقوا حكم الحائض التي تشك في الاستحاضة بحكم المستحاضة التي تشك في الحيض ، وإنما رأى أيضا في المبتدأة أن تعتبر أيام لداتها ; لأن أيام لداتها شبيهة بأيامها فجعل حكمهما واحدا . أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل ، ثم لتستثفر بثوب ، ثم لتصلي
وأما الاستظهار الذي قال به مالك بثلاثة أيام ، فهو شيء انفرد به مالك وأصحابه - رحمهم الله - وخالفهم في ذلك جميع فقهاء الأمصار ما عدا الأوزاعي ، إذ لم يكن لذلك ذكر في الأحاديث الثابتة ، وقد روي في ذلك أثر ضعيف .