الفصل الثالث
في مانع الرضاع
- واتفقوا على أن ( أعني : أن المرضعة تنزل منزلة الأم ) ، فتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب . الرضاع بالجملة يحرم منه ما يحرم من النسب
واختلفوا من ذلك في مسائل كثيرة ، والقواعد منها تسع :
إحداها : في مقدار المحرم من اللبن .
والثانية : في سن الرضاع .
والثالثة : في حال المرضع في ذلك الوقت عند من يشترط للرضاع المحرم وقتا خاصا .
والرابعة : هل يعتبر فيه وصوله برضاع والتقام الثدي أو لا يعتبر ؟ .
والخامسة : هل يعتبر فيه المخالطة أم لا يعتبر ؟ .
والسادسة : هل يعتبر فيه الوصول من الحلق أو لا يعتبر ؟ .
والسابعة : هل ينزل صاحب اللبن ( أعني : الزوج ) من المرضع منزلة أب ( وهو الذي يسمونه لبن الفحل أم ليس ينزل منه بمنزلة أب .
والثامنة : الشهادة على الرضاع .
والتاسعة : صفة المرضعة .
المسألة الأولى
[ في مقدار المحرم من اللبن ]
أما : فإن قوما قالوا فيه بعدم التحديد ، وهو مذهب مقدار المحرم من اللبن مالك وأصحابه ، وروي عن علي ، وهو قول وابن مسعود ، ابن عمر ، وهؤلاء يحرم عندهم أي قدر كان ، وبه قال وابن عباس أبو حنيفة وأصحابه ، ، والثوري . وقالت طائفة : بتحديد القدر المحرم ، وهؤلاء انقسموا إلى ثلاث فرق : فقالت طائفة : لا تحرم المصة ولا المصتان ، وتحرم الثلاث رضعات فما فوقها ، وبه قال والأوزاعي أبو عبيد ، . وأبو ثور
وقالت طائفة : المحرم خمس رضعات ، وبه قال . الشافعي
[ ص: 422 ] وقالت طائفة : عشر رضعات .
والسبب في اختلافهم في هذه المسألة : معارضة عموم الكتاب للأحاديث الواردة في التحديد ، ومعارضة الأحاديث في ذلك بعضها بعضا .
فأما عموم الكتاب ، فقوله تعالى : ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) الآية ، وهذا يقتضي ما ينطلق عليه اسم الإرضاع .
والأحاديث المتعارضة في ذلك راجعة إلى حديثين في المعنى :
أحدهما : حديث عائشة وما في معناه أنه قال عليه الصلاة والسلام : " " خرجه لا تحرم المصة ولا المصتان أو الرضعة والرضعتان مسلم من طريق عائشة ، ومن طريق أم الفضل ، ومن طريق ثالث ، وفيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " . لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان
والحديث الثاني : حديث سهلة في سالم أنه " . وحديث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " أرضعيه خمس رضعات عائشة في هذا المعنى أيضا قالت : " " . كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن
فمن رجح ظاهر القرآن على هذه الأحاديث قال : تحرم المصة والمصتان . ومن جعل الأحاديث مفسرة للآية ، وجمع بينها وبين الآية ، ورجح مفهوم دليل الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام : " على مفهوم دليل الخطاب في حديث لا تحرم المصة ولا المصتان " سالم قال : الثلاثة فما فوقها هي التي تحرم ، وذلك أن دليل الخطاب في قوله : " " يقتضي أن ما فوقها يحرم ، ودليل الخطاب في قوله : " لا تحرم المصة ولا المصتان " يقتضي أن ما دونها لا يحرم، والنظر في ترجيح أحد دليلي الخطاب . أرضعيه خمس رضعات