[ المسألة الرابعة ]
[ في العدد ]
وأما المسألة الرابعة ( وهي ) : فإنهم اختلفوا في ذلك ، فقال عدد ما يجزي من الضحايا عن المضحين مالك : يجوز أن يذبح الرجل الكبش أو البقرة أو البدنة مضحيا عن نفسه وعن أهل بيته الذين تلزمه نفقتهم بالشرع ، وكذلك عنده الهدايا . وأجاز الشافعي وأبو حنيفة وجماعة أن ينحر الرجل البدنة عن سبع ، وكذلك البقرة مضحيا أو مهديا . وأجمعوا على أن الكبش لا يجزي إلا عن واحد ، إلا ما رواه مالك من أنه يجزي أن يذبحه الرجل عن نفسه وعن أهل بيته لا على جهة الشركة بل إذا اشتراه مفردا ، وذلك لما روي عن عائشة أنها قالت : " . وخالفه في ذلك " كنا بمنى فدخل علينا بلحم بقر ، فقلنا ما هو ؟ فقالوا : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه أبو حنيفة ، على وجه الكراهة لا على وجه عدم الإجزاء . والثوري
وسبب اختلافهم : معارضة الأصل في ذلك للقياس المبني على الأثر الوارد في الهدايا .
وذلك أن الأصل هو أن لا يجزي إلا واحد عن واحد ، ولذلك اتفقوا على منع الاشتراك في الضأن ، وإنما قلنا : إن الأصل هو أن لا يجزي إلا واحد عن واحد ، لأن الأمر بالتضحية لا يتبعض إذ كان من [ ص: 357 ] كان له شرك في ضحية ليس ينطلق عليه اسم مضح إلا إن قام الدليل الشرعي على ذلك .
وأما الأثر الذي انبنى عليه القياس المعارض لهذا الأصل فما روي عن جابر أنه قال : " " . وفي بعض روايات الحديث : " نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبع " . سن رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة ، ، والبقرة عن سبعة
فقاس ، الشافعي وأبو حنيفة الضحايا في ذلك على الهدايا . وأما مالك فرجح الأصل على القياس المبني على هذا الأثر ، لأنه اعتل لحديث جابر بأن ذلك كان حين صد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت ، وهدي المحصر بعد ليس هو عنده واجبا وإنما هو تطوع ، وهدي التطوع يجوز عنده فيه الاشتراك ، ولا يجوز الاشتراك في الهدي الواجب ، لكن على القول بأن الضحايا غير واجبة فقد يمكن قياسها على هذا الهدي ; وروى عنه ابن القاسم أنه لا يجوز الاشتراك لا في هدي تطوع ولا في هدي وجوب ، وهذا كأنه رد للحديث لمكان مخالفته للأصل في ذلك .
وأجمعوا على أنه ، وإن كان قد روي من حديث لا يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة ومن طريق رافع بن خديج وغيره : ابن عباس " البدنة عن عشرة " . وقال : وإجماعهم على أنه لا يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة دليل على أن الآثار في ذلك غير صحيحة . الطحاوي
وإنما صار مالك لجواز تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته أو هديه لما رواه عن أنه قال : ابن شهاب " . وإنما خولف " ما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل بيته إلا بدنة واحدة أو بقرة واحدة مالك في الضحايا في هذا المعنى ( أعني : في التشريك ) لأن الإجماع انعقد على منع التشريك فيه في الأجانب ، فوجب أن يكون الأقارب في ذلك في قياس الأجانب ، وإنما فرق مالك في ذلك بين الأجانب والأقارب لقياسه الضحايا على الهدايا في الحديث الذي احتج به ( أعني : حديث ) . فاختلافهم في هذه المسألة إذا رجع إلى تعارض الأقيسة في هذا الباب ( أعني : إما إلحاق الأقارب بالأجانب ، وإما قياس الضحايا على الهدايا ) . ابن شهاب