فصل
في خصائص العتق التي ينفرد بها عن الطلاق ، وهي خمس : الأولى ، فمن أعتق بعض مملوك ، فإما أن يكون باقيه له أو لغيره . الحالة الأولى : أن يكون له ، فيعتق كله كما في الطلاق ، سواء الموسر والمعسر . ولو أضاف إلى عضو معين ، كيد ، ورجل ، عتق كله ، كالطلاق . وفي كيفية التكميل إذا أضاف العتق إلى الجزء الشائع وجهان : أحدهما يحصل في الجزء المسمى ، ثم يسري إلى الباقي . السراية
[ ص: 111 ] والثاني : يقع على الجميع دفعة ويكون إعتاق البعض عبارة عن إعتاق الكل . وإن أضافه إلى جزء معين ، فوجهان مرتبان ، وأولى بحصوله دفعة ، وقد سبق هذا الخلاف بتفاريعه في الطلاق .
ولو أعتق أمته الحامل بمملوك له ، عتق الحمل أيضا ، لا بالسراية ، فإن السراية في الأشقاص ، لا في الأشخاص ، بل بطريق التبع كما يتبعها في البيع ، إلا أن البيع يبطل باستثنائه ، والعتق لا يبطل لقوته . ولهذا لو استثنى عضوا في البيع ، بطل ، بخلاف العتق . ولو أعتق الحمل ، عتق ، ولم يعتق الأم على الصحيح ; لأنها لا تتبعه . وقال الأستاذ : تعتق بعتقه . أبو إسحاق الإسفراييني
ولو كانت الأم لواحد ، والحمل لآخر ، لم يعتق واحد منهما بعتق الآخر . ولو قال لأمته : إذا ولدت فولدك حر ، أو كل ولد تلدينه حر ، فقد ذكرنا في الطلاق أنها إن كانت حاملا عند التعليق ، عتق الولد ، وإن كانت حائلا ، عتق أيضا على الأصح ; لأنه وإن لم يملك الولد حينئذ ، فقد ملك الأصل المفيد لملك الولد .
ولو قال لأمته الحامل : إن كان أول من تلدينه ذكرا فهو حر ، وإن كانت أنثى فأنت حرة ، فولدت ذكرا وأنثى ، فإن ولدت الذكر أولا ، عتق ، ورقت الأم والأنثى ، وإن ولدت الأنثى أولا ، عتقت الأم والذكر أيضا ، لكونه في بطن عتيقه ، وترق الأنثى ; لأن عتق الأم طرأ بعد مفارقتها . وإن ولدتهما معا ، فلا عتق ، إذ لا أول فيهما . ولو لم يعلم هل ولدتهما معا أو مرتبا ، فلا عتق ، للشك . وإن علم سبق أحدهما ، وأشكل ، فالذكر حر بكل حال ، والأنثى رقيقة بكل حال ، والأم مشكوك فيها ، فيؤمر السيد بالبيان ، فإن مات قبل البيان ، فالأصح أنها رقيقة ، عملا بالأصل . وقال ابن الحداد : يقرع [ ص: 112 ] عليها بسهم رق وسهم عتق ، قال الشيخ أبو علي : ما ذكره ابن الحداد غلط عند عامة الأصحاب ، لأنا شككنا في عتقها ، والقرعة لا يثبت مشكوكا فيه ، وإنما يستعمل في تعيين ما تيقنا أصله . قال الشيخ أبو علي : هذا كله إذا ولدت في صحة السيد ، فلو ولدت في مرض موته ، نظر ، إن كان الثلث يفي بالجميع ، لم يختلف الجواب ، وإن لم يف بأن لم يكن له إلا هذه الأمة وما ولدت ، أقرع بين الأم والغلام ، فإن خرجت على الغلام ، عتق وحده إن خرج من الثلث ، وإن خرجت على الأم ، قومت حاملا بالغلام يوم ولدت الجارية إن ولدتها أولا ، ويعتق منها ومن الغلام قدر الثلث ، فإن كانت قيمة الجارية مائة وقيمة الأم حاملا بالغلام مائتين ، فيعتق نصفها ونصف الغلام وهو مائة ، ويبقى للورثة النصفان ، وهو مائة ، والجارية وهي مائة أخرى .
الحالة الثانية : أن يكون الباقي لغيره ، ، وعتق الباقي عليه وولاء جميع العبد له ، وإن كان معسرا بقي الباقي على ملك الشريك وإنما يثبت التقويم بأربعة فيعتق نصيبه ، فإن كان موسرا بقيمة باقيه ، لزمه قيمته للشريك . شروط
أحدها : وليس معناه أن يعد غنيا ، بل إذا كان له من المال ما يفي بقيمة نصيب شريكه ، قوم عليه ، وإن لم يملك غيره ، ويصرف إلى هذه الجهة كل ما يباع في الدين ، فيباع مسكنه وخادمه ، وكل ما فضل عن قوت يوم ، وقوت من تلزمه نفقته ، ودست ثوب يلبسه ، وسكنى يوم ، والاعتبار في اليسار بحالة الإعتاق ، فإن كان معسرا ، ثم أيسر ، فلا تقويم . ولو ملك قيمة الباقي ، لكن عليه دين بقدره ، قوم عليه على الأظهر ، واختاره الأكثرون ; لأنه مالك لما في يده نافذ تصرفه . كون المعتق موسرا
ولهذا [ ص: 113 ] لو اشترى به عبدا وأعتقه ، نفذ . والثاني : لا يقوم ; لأنه غير موسر ، بل لو أبرئ عن الدين ، لم يقوم عليه أيضا ، كالمعسر يوسر ، فعلى الأول يضارب الشريك بقيمة نصيبه مع الغرماء ، فإن أصابه بالمضاربة ما يفي بقيمة جميع نصيبه ، فذاك ، وإلا اقتصر على حصته ، ويعتق جميع العبد إن قلنا : تحصل السراية بنفس الإعتاق ، وإن قلنا : لا تحصل بنفس الإعتاق ، ضارب الشريك بقيمة باقيه ، إلى أن يعتق الجميع .
ولو كان بين رجلين عبد قيمته عشرون ، فقال رجل لأحدهما : أعتق نصيبك منه عني على هذه العشرة ، وهو لا يملك غيرها ، فأجابه ، عتق نصيبه عن المستدعي ، ولا سراية ; لأنه زال ملكه عن العشرة بما جرى ، وإن قال : علي عشرة في ذمتي ، فإن قلنا : الدين يمنع التقويم ، لم يقوم ، وإن قلنا : لا يمنع ، فإن قلنا : السراية تحصل بنفس الإعتاق ، عتق جميع العبد ، ويقسم العشرة بين الشريكين بالسوية ، وتبقى لكل واحد خمسة في ذمته ، وإن قلنا : لا يحصل بنفس الإعتاق ، عتق من نصيب الشريك بالسراية حصة الخمسة ، وهو ربع العبد ، ويبقى الباقي على الرق ، وللشريك المستدعي منه خمسة في ذمته .
ولو ملك نصفين من عبدين متساويي القيمة ، فأعتق نصيبه منهما وهو موسر بنصف قيمة أحدهما ، نظر ، إن أعتقهما معا ، عتق نصيبه منهما ، وسرى إلى نصف نصيب الشريك من كل منهما ، فيعتق من كل منهما ثلاثة أرباعه ، وهذا إذا حكمنا بالسراية في الحال . وقلنا : اليسار بقيمة بعض النصيب يقتضي السراية بالقسط ، وإن أعتق مرتبا ، سرى إلى جميع الأول . ثم إن قلنا : الدين يمنع السراية ، فلا سراية في العبد [ ص: 114 ] الثاني ، وإلا فيسري ، وما في يده يصرف إلى الشريك ، والباقي في ذمته .
وإن كان الشقصان لشخصين ، صرف إلى كل منهما نصفه . ولو ملك الشقصين ، فأعتقهما معا ولا مال له غيرهما ، فلا سراية ; لأنه معسر . وإن أعتقهما مرتبا ، عتق كل الأول ; لأن في نصيبه في العبد الآخر وفاء بباقي الذي أعتق شقصه ، ثم إذا أعتق نصيبه من الثاني نفذ العتق في نصيبه ، ولا سراية ; لأنه معسر ، وإنما نفذ إعتاقه نصيبه من الثاني ; لأن حق الشريك لا يتعين فيه ، بل هو في الذمة .
فرع
، نظر ، إن خرج جميع العبد من ثلث ماله ، قوم عليه نصيب شريكه ، وعتق ، وإن لم يخرج منه إلا نصيبه ، عتق نصيبه ، ولا تقويم ، وإن خرج نصيبه وبعض نصيب شريكه ، قوم عليه ذلك القدر ، ويجيء فيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى في يسار المعتق ببعض نصيب الشريك . وبالجملة المريض في الثلث كالصحيح في الكل ، وفيما زاد على الثلث معسر . واحتج القاضي أعتق شريك نصيبه في مرض موته أبو الطيب وغيره باعتبار الثلث على أن التقويم يكون بعد موت المريض ; لأن الثلث يعتبر حالة الموت ، حتى إذا لم يف الثلث بجميع العبد حال إعتاقه ، ثم استفاد مالا ، ووفى عند الموت ، قوم جميعه . وفي التهذيب أنه لو ملك نصفين من عبدين متساويي القيمة ، فأعتقهما في مرض الموت ، نظر ، إن خرجا من الثلث ، عتقا ، سواء أعتقهما معا أو مرتبا ، وعليه قيمة نصيب شريكه ، وإن لم يخرج من الثلث إلا نصيباه ، فإن أعتقهما معا ، عتق نصيباه ، ولا سراية ، وإن أعتقهما [ ص: 115 ] مرتبا ، عتق كل الأول ، ولم يعتق من الثاني شيء ; لأنه لزمه قيمة نصيب الشريك من الأول ، وصار نصيبه من الثاني مستحق الصرف إليه ، وإن خرج من الثلث نصيباه ، ونصيب أحد الشريكين ، فإن أعتقهما مرتبا ، عتق جميع الأول ، ولا يعتق من الثاني إلا نصيبه ، وإن أعتقهما معا فوجهان . أحدهما وبه قال ابن الحداد : يعتق من كل واحد ثلاثة أرباعه : نصيباه ، ونصف نصيب الشريك من كل واحد منهما . والثاني : يقرع ، فمن خرجت قرعته ، عتق كله ، ولم يعتق من الآخر إلا نصيبه ; لأن القرعة مشروعة في العتق ، ولا يصار إلى التشقيص مع إمكان التكميل . وإن لم يخرج من الثلث إلا أحد نصيبيه ، فإن أعتقهما معا ، فوجهان ، أحدهما : يعتق من كل واحد نصف نصيبه ، وهو ربع كل عبد ، وأصحهما : يقرع ، فمن خرجت قرعته ، عتق منه جميع نصيبه ، ولا يعتق من الآخر شيء . ولو أعتق النصيبين ولا مال له غيرهما ، قال الشيخ أبو علي : إن أعتقهما مرتبا ، عتق ثلثا نصيبه من الأول ، وهو ثلث جميع ماله ، وهو ثلث ذلك العبد ، ويبقى للورثة سدس ذلك العبد ، ونصف العبد الآخر . وإن أعتقهما معا ومات ، أقرع بينهما ، فمن خرجت قرعته ، عتق منه ثلثا نصيبه ، وهو ثلث ماله .
فرع
لو ، فلا سراية وإن خرج كله من الثلث ; لأن المال ينتقل بالموت إلى الوارث ، ويبقى الميت معسرا ، بل لو كان كل العبد له فأوصى بإعتاق بعضه ، فأعتق ، لم يسر . وكذا لو دبر أحدهما نصيبه ، فقال : إذا مت ، فنصيبي منك حر ، وإن قال في الوصية : أعتقوا نصيبي ، وكملوا العتق كملناه ، [ ص: 116 ] إن خرج من الثلث ، وإن لم يخرج كله ، نفذت الوصية في القدر الذي يخرج . أوصى أحد الشريكين بإعتاق نصيبه بعد موته
وهنا فائدتان ، إحداهما : قال القاضي أبو الطيب : عندي أنه إذا أوصى بالتكميل ، لا يكمل إلا باختيار الشريك ; لأن التقويم إذا لم يكن مستحقا لا يصير مستحقا باختيار المعتق . ألا ترى أن المعتق لو كان معسرا ، ثم أيسر ، أو قال : قوموه علي حتى أستقرض ، لا يجبر الشريك ، والجمهور أطلقوا ، ووجهه الروياني بأنه متمكن من التصرف في الثلث . وإذا أوصى بالتكميل ، فقد استبقى لنفسه قدر قيمة العبد من الثلث ، فكان موسرا به .
الثانية : ذكر الإمام أن لصورة الوصية بالتكميل أن يقول : اشتروا نصيب الشريك ، فأعتقوه ، فأما إذا قال : أعتقوه إعتاقا ساريا ، فلا خير في هذه الوصية ; لأنه لا سراية بعد الموت ، وإن أعتقنا نصيبه ، فالذي أتى به وصية بمحال . ولو ملك نصفي عبدين ، فأوصى بإعتاق نصيبه منهما بعد موته ، أعتق عنه النصيبان ، ولا سراية . ولو قال مع ذلك : وكملوا عتقهما ، فإن خرجا من الثلث ، كمن عتقهما ، وإن خرج الباقي من أحدهما ، فطريقان حكاهما والغزالي البغوي .
أحدهما : فيه الوجهان فيمن أعتق في مرض الموت النصيبين ، ولم يخرج من الثلث إلا نصيباه مع الباقي من أحدهما ، ففي وجه : يعتق من كل واحد ثلاثة أرباعه ، وفي آخر : يقرع ، فمن خرجت قرعته ، أعتق كله ، وأعتق من الآخر نصيبه لا غير . الثاني : القطع بالقرعة ; لأنه قصد التكميل هنا حيث أوصى به ، فيراعى مقصوده بقدر الإمكان .
[ ص: 117 ] فرع
لو ، فوجهان ، الأصح المنصوص في " الأم " : أنه يسري إلى القدر الذي هو موسر به . والثاني : لا يسري ; لأنه لا يفيده الاستقلال في ثبوت أحكام الأحرار . ولو كان بين ثلاثة عبد ، فأعتق اثنان نصيبهما ، وأحدهما موسر ، قوم نصيب الثالث عليه بلا خلاف . كان الشريك موسرا ببعض قيمة النصيب