فصل
من ، لا تسمع دعواه إلا أن تذكر تلقي الملك منه ، ولو أخذت منه ببينة ثم ادعاها هل يحتاج إلى ذكر التلقي ؟ وجهان ، أحدهما : نعم ؛ لأنه صار مؤاخذا بالبينة ، كما لو أقر ، وأصحهما : لا ، كالأجنبي ، ولا خلاف أنه لو ادعى عليه أجنبي وأطلق ، سمعت . أقر بعين لرجل ، ثم ادعاها
فروع
أكثرها عن ابن سريج رحمه الله . ، أو قال : أجرتها له ، أو أودعها عنده ، وأقام الداخل بينة أنها ملكه ، فهل يقدم الخارج أم الداخل ؟ وجهان ، الأصح : الخارج ، وبه قال أقام الخارج بينة أن هذه العين ملكي غصبها مني الداخل ابن سريج ، وصححه العراقيون ، وبه أجاب الهروي ، وخالفهم البغوي ، فصحح تقديم الداخل ، فلو لم تكن بينة ، ونكل الداخل عن اليمين ، فحلف الخارج ، وحكم له ، ثم جاء الداخل ببينة ، سمعت على الصحيح ، كما لو أقامها بعد بينة الخارج ، وقيل : لا تسمع بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار ، ولو تنازعا شاة مذبوحة في يد أحدهما رأسها وجلدها وسواقطها ، وفي يد الآخر باقيها ، وأقام كل واحد بينة أن الشاة له ، قضي لكل واحد بما في يده ، ولو كان في يد كل واحد شاة ، فادعى كل واحد أن الشاتين له ، وأقاما بينتين تعارضتا ، فلكل واحد التي في يده ، لاعتقاد بينته باليد . وإن أقام كل واحد بينة أن التي في يد الآخر ملكه قضي لكل واحد بما في يد الآخر .
السبب الثالث : ، فإذا أرختا ، نظر إن اتفق تاريخهما ، فلا ترجيح ، وإن اختلف ، بأن شهدت بينة اشتمال أحدهما على زيادة تاريخ
[ ص: 62 ] زيد أنه ملكه منذ سنة ، وبينة عمرو أنه ملكه منذ سنتين ، فهل تتعارضان ، أم يقدم أسبقهما تاريخا ؟ طريقان ، المذهب التقديم ، ويطرد الخلاف في بينتي شخصين تنازعا نكاح امرأة إذا اختلف تاريخهما ، وفيما إذا تعارضتا مع اختلاف التاريخ لسبب الملك ، بأن أقام أحدهما بينة أنه اشتراه من زيد منذ سنة ، والآخر أنه اشتراه من عمرو منذ سنتين ، فلو نسبا العقدين إلى شخص واحد ، فأقام هذا بينة أنه اشتراه من زيد منذ سنة ، وذاك بينة أنه اشتراه من زيد منذ سنتين ، فالسابق أولى بلا خلاف ، وطردوا الخلاف أيضا فيما إذا تنازعا أرضا مزروعة ، فأقام أحدهما بينة أنها أرضه زرعها ، والآخر أنها ملكه مطلقا ؛ لأن بينة الزرع تثبت الملك من وقت الزراعة . هكذا ذكره البغوي ، وفيه تصريح بأن سبق التاريخ لا يشترط أن يكون بزمان معلوم حتى لو قامت بينة أنه ملكه منذ سنة ، وبينة الآخر أنه ملكه منذ أكثر من سنة كان فيه الخلاف ، فإن رجحنا بسبق التاريخ ، حكمنا بها لصاحب السبق ، وله الأجرة والزيادات الحادثة من يومئذ ، وإن لم نرجح به ، ففيه الخلاف السابق في أصل التعارض ، وإن كانت إحداها مؤرخة ، والأخرى مطلقة ، فالمذهب أنهما سواء فتتعارضان ، وقيل : تقدم المؤرخة . ولو تنازعا دابة ، فأقام أحدهما بينة أنها ملكه ، والآخر بينة أنها ملكه ، وهو الذي نتجها ، قال الأكثرون : هو على الخلاف في سبق التاريخ ، وطردوه في كل بينتين أطلقت إحداهما الملك ، ونصت الأخرى على سببه من إرث وشراء وغيره ، وقيل : تقدم بينة النتاج قطعا ؛ لأنها تثبت ابتداء الملك له ، والتي سبق تاريخها لا تثبت ابتداء ملكه ، وهذا التوجيه يقتضي اطراد الطريقين فيما لو تنازعا ثمرة وحنطة ، [ ص: 63 ] فشهدت إحداهما بأنها حدثت من شجرته ، أو بذرته ، ولا يقتضي جريان القطع فيما لو تعرضت إحداهما للشراء وسائر الأسباب ؛ لأنها لا توجب ابتداء ملكه ، ثم المسألة من أصلها مفروضة فيما إذا كان المدعى في يد ثالث ، فلو كان في يد أحدهما ، وقامت بينتان مختلفتا التاريخ ، فإن كانت بينة الداخل أسبق تاريخا ، قدمت قطعا ، وإن كانت بينة الخارج أسبق ، فإن لم نجعل سبق التاريخ مرجحا ، قدم الداخل ، وإن جعلناه مرجحا ، فهل يقدم الداخل أم الخارج ، أم يتساويان ؟ أوجه ، أصحها : الأول .