الطرف الثاني : فيما يغلب إذا اجتمعت العلة والسبب أو الشرط ، [ ص: 315 ] فحفر البئر شرط أو سبب ، والتردي علة ؛ فإذا اجتمعا نظر ؛ إن كانت العلة عدوانا ، بأن حفر بئرا ، فردي فيها غيره إنسانا ؛ فالقصاص والضمان يتعلقان بالتردية ، ولا اعتبار بالحفر معها ، وإن لم تكن العلة عدوانا ، بأن تخطى شخص الموضع جاهلا ؛ فتردى فيها وهلك ؛ فإن كان الحفر عدوانا ؛ تعلق الضمان به ؛ وإلا فلا ضمان .
فرع
نظر ؛ إن كان يقدر على الحركة والانتقال عن موضع الهلاك فلم يفعل ، فلا ضمان على الواضع ، كما لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى مات . وإن كان لا يقدر على الانتقال ، فلا ضمان أيضا على الأصح ، وبه قطع الأكثرون ؛ لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يوجد منه ما يلجئ السبع إليه ؛ فإن كان الموضوع بالغا ؛ فلا ضمان قطعا . ويشبه أن يقال : الحكم منوط بالقوة والضعف ، لا بالصغر والكبر . وضع صبيا في مسبعة ، فافترسه سبع
فرع
فلا ضمان ؛ لأنه باشر إهلاك نفسه قصدا . والمباشرة مقدمة على السبب ؛ فلو لم يعلم بالمهلك ، فوقع من غير قصد في النار أو الماء ، أو من الشاهق والسطح بأن كان أعمى ، أو في ظلمة الليل ، أو في موضع مظلم ، أو في بئر مغطاة ، وجب على المتبع الضمان . ولو استقبله سبع في طريقه ؛ فافترسه ، أو لص فقتله ؛ فلا ضمان على المتبع ، بصيرا كان المطلوب أو أعمى ؛ لأنه لم يوجد من المتبع إهلاك . ومباشرة السبع العارضة [ ص: 316 ] كعروض القتل على إمساك الممسك . لو اتبع إنسانا بسيف ، فولى المطلوب هاربا ؛ فألقى نفسه في نار أو ماء ، أو من شاهق ، أو من سطح عال أو في بئر فهلك
لكن لو ألجأه إليه في مضيق ، وجب الضمان على المتبع ، ولو انخسف به سقف في هربه ؛ وجب الضمان على الأصح المنصوص ، وهو الذي أورده العراقيون . ولو ألقى نفسه على السقف من علو ؛ فانخسف به لثقله ؛ فهو كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار .
وما ذكرناه من سقوط الضمان عن المتبع إذا ألقى المطلوب نفسه في ماء ، أو نار أو من سطح قصدا ، أردنا به العاقل البالغ ، أما إذا كان المطلوب صبيا أو مجنونا ؛ فيبنى على أن عمدهما عمد أم خطأ ؟ إن قلنا : خطأ ، ضمن ؛ وإلا فلا .
فرع
، وجبت فيه دية شبه العمد على الصحيح ؛ كما لو سلم صبيا إلى سباح ليعلمه السباحة ، فغرق . وقيل : لا ضمان ، كما لو وضعه في مسبعة ، ويجري الخلاف فيما لو كان الولي يعلمه السباحة بنفسه فغرق ، ولو أدخله الماء ليعبره به ؛ فالحكم كما لو ختنه أو قطع يده من أكلة ؛ فمات منه . ضرب المعلم الصبي للتأديب فهلك
كذا ذكره المتولي ، ولو سلم بالغ نفسه ، ليعلمه السباحة ؛ ففي " الوسيط " أنه إن خاض معه اعتمادا على يده ، فأهمله ؛ احتمل أن يجب الضمان ، والذي ذكره العراقيون والبغوي أنه لا ضمان ؛ لأنه مستقل وعليه أن يحتاط لنفسه ، ولا يغتر بقول السباح .