فصل
. فيما يباح بالإكراه
الإكراه على القتل المحرم لا يبيحه ، بل يأثم بالاتفاق إذا قتل ، وكذا لا يباح الزنى بالإكراه ، ويباح بالإكراه شرب الخمر والإفطار في رمضان ، والخروج من صلاة الفرض ، وإتلاف مال الغير ، ويباح أيضا كلمة الكفر ، وفي وجوب التلفظ بهما وجهان ، أحدهما : نعم حفظا لنفسه ، كما يجب أكل الميتة للضرورة .
والثاني - وهو الصحيح : لا يجب للأحاديث الصحيحة في الحث على الصبر على الدين ، واقتداء بالسلف ، فعلى هذا : الأفضل أن يثبت ولا يتلفظ ، وإن قتل .
وقيل : إن كان ممن يتوقع منه النكاية في العدو ، أو القيام بأحكام الشرع ، فالأفضل أن يتلفظ ، وإلا ، فالأفضل الامتناع ، ولا يجب على الصحيح ، ويمكن أن يجيء مثله في الإفطار في رمضان ، ولا يكاد يجيء في الإكراه على إتلاف المال . شرب الخمر عند الإكراه
ثم إذا ، فللمالك مطالبة المكره الآمر بالضمان ، وفي مطالبة المأمور وجهان . أتلف مال غيره بالإكراه
أحدهما : لا يطالب ، لأنه إتلاف مباح له بالإكراه ، وأصحهما : يطالب ، لكنه يرجع بالمغروم على الآمر ، هذا هو المذهب ، وقيل : إن الضمان على المأمور ، ولا رجوع له ، وقيل : يتقرر الضمان عليهما بالسوية ، كالشريكين ، والقول في جزاء الصيد إذا قتله المحرم مكرها ، كالقول في ضمان المال .
[ ص: 143 ] فرع .
ذكره الرافعي في مسائل منثورة قبل كتاب الديات . يجوز للمكره على إتلاف مال ، ولصاحب المال دفع المكره بما أمكنهما ، وليس لصاحب المال دفع المكره ، بل يلزمه أن يقي روحه بماله ، كما يناول المضطر طعامه .
فصل
إذا ، وجب القصاص ، وإن لم يقتل غالبا ، فهل هو عمد ، أم شبه عمد ؟ قولان ، أظهرهما : الثاني ، وإن لم ينهشها ، ولكن ألقى الحية عليه ، أو ألقاه عليها ، أو أنهشه حية ، أو ألدغه عقربا يقتل غالبا ، فقتلته ، فلا قصاص ولا ضمان ، سواء كان الموضع واسعا أو ضيقا ، لأنه لم يلجئها إلى قتله ، بل هي قتلته باختيارها ، فهو كالممسك مع القاتل . قيده وطرحه في موضع فيه حيات وعقارب ، فقتلته
ولو ، لزمه القصاص ، نص عليه ، فإن كان السبع مما لا يقتل غالبا ، فهو كالحية التي لا تقتل غالبا ، وإن أرسل عليه السبع ، أو عرضه لافتراس سبع يقتل غالبا ، كالأسد والنمر والذئب ، وهدفه له حتى صار السبع كالمضطر إلى قتله ، أو أغرى به كلبا عقورا في موضع واسع كالصحراء ، فقتله ، فلا قصاص ولا ضمان ، سواء كان المطروح صغيرا أو كبيرا . طرحه في مسبعة أو بين يدي سبع في الصحراء مكتوفا ، أو غير مكتوف ، فقتله
لأنه لم يلجئه إلى قتله ، والذي وجد منه ليس بمهلك ، وهو كالممسك مع القاتل ، وفي الصبي وجه ، أنه يجب الضمان ، ولو أغراه به في موضع ضيق ، أو حبسه معه في بئر ، أو بيت ، فقتله ، وجب القصاص ، مكتوفا كان أو غير مكتوف ، لأنه إلجاء السبع إلى قتله ، وليس السبع كالحية ، [ ص: 144 ] حيث لم يفرق فيها بين الموضع الواسع والضيق ، لأن الحية تنفر من الآدمي ، والسبع يقصده في المضيق ويتوثب .
وفي الموضع الواسع لا يقصده قصده في المضيق ، إنما يقصده دفعه ويمكن التحرز منه والفرار ، فهذا هو المنصوص ، والمذهب ، وبه قطع الجمهور .
وعن القاضي حسين أن الحية إن كانت تقصد ولا تنفر ، فهي كالسبع ، وأنها أنواع مختلفة الطباع ، وأن السبع إذا كان ضاريا شديد العدو ولا يتأتى الهرب منه في الصحراء .
وجب القصاص ، وجعل الإمام هذا بيانا لما أطلقه الأصحاب واستدراكا ، وأما البغوي وغيره فجعلوا المسألة مختلفا فيها ، وحكى قولا أنه لو جمع بينه وبين حية في بيت ، وجب القصاص كالسبع ، وقولا أنه لا يجب في السبع ، وهما غريبان . ابن كج
وحيث أوجبنا القصاص في الحية والسبع فذلك إذا قتل في الحال ، أو جرح جراحة تقتل غالبا ، أما إذا جرحه جرحا لا يقتل مثله غالبا ، فهو شبه عمد ، وكأن تلك الجراحة صدرت من المغري .
وإذا أمكن المغرى عليه الفرار ، فلم يفر ، قال الإمام : هو كترك السباحة ، والمجنون الضاري في ذلك كالسبع ، ولو ربط في داره كلبا عقورا ، ودعا إليها رجلا ، فافترسه الكلب ، فلا قصاص ولا ضمان .
ولم يجعل على الخلاف السابق في حفر البئر في الدهليز وتغطية رأسها ، لأن الكلب يفترس باختياره ، ولأنه ظاهر يمكن دفعه بعصا وسلاح .