مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ، والعصبية المحضة ، أن يبغض الرجل لأنه من بني فلان ، فإذا أظهرها ، ودعا إليها ، وتألف عليها ، فمردود ، وقد جمع الله تبارك وتعالى المسلمين بالإسلام ، وهو أشرف أنسابهم ، فقال جل ثناؤه : " وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه إنما المؤمنون إخوة " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ، فمن خالف أمر الله عز وجل ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ردت شهادته . كونوا عباد الله إخوانا
قال الماوردي : وقد أمر الله تعالى المسلمين بالألفة والتناصر ، ونهاهم عن التقاطع والتدابر . وقال تعالى : إنما المؤمنون إخوة [ الحجرات : 10 ] . وقال تعالى : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [ التوبة : 71 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " " وقال فيما نهاهم عنه من التقاطع : أمتي كالبنيان يشد بعضه بعضا واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [ آل عمران : 103 ] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " فكان هذا أصلا في الدين ، ليكونوا يدا على من خالفهم فيه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحاسدوا ، ولا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، والسابق أسبقهما إلى الجنة " . ويشتمل الكلام في هذا الفصل على أربعة فصول : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم
أحدها : في المحبة .
والثاني : فيما يفضي إليه من المعصية .
والثالث : في البغض .
والرابع : فيما يفضي إليه من العداوة .
فأما الفصل الأول : في المحبة .
ونتحدث عن أسباب يكون بعضها مستحبا وبعضها مباحا وبعضها مكروها .
[ ص: 200 ] فأما المستحب : فهو ، وظهور الخير ، وما قرب من طاعة الله تعالى ، وباعد من معاصيه . المحبة في الدين
قال الله تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر [ آل عمران : 110 ] .
ولذلك آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار .
فأما المباح : فهو ، وعلى ما أبيح من صناعة أو مكسب ، فهذا مباح تقوى به العدالة ولا تضعف به ، ولهذا النوع أراد المحبة على النسب وعلى التجانس في علم أو أدب الشافعي بقوله : وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه " .
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعدل خلق الله ، وقد أحب قريشا لنسبه فيهم حتى خصهم بخلافته فقال : " قريش " . الأئمة من
وقال صلى الله عليه وسلم " قدموا قريشا ولا تتقدموها ، وتعلموا من قريش ولا تعالموها ، " وحمى لهم لما عادوا إلى المدينة من بدر ومعه من الأنصار سلامة بن وقش وقد سأله بعض أهل المدينة عمن لقيهم من المشركين ببدر ، فقال سلامة : وهل لقينا إلا عجائز صلعا ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أولئك الملأ من قريش " ، فنفى عنهم العار مع كفرهم ومحاربتهم له .
وسمع شاعرا من حمير ينشده :
إني امرؤ حميري حين تنسبني لا من ربيعة آبائي ولا مضر
فقال صلى الله عليه وسلم : " ذاك أهون لقدرك وأبعد لك من الله " .وأما المكروه : فهو ، فقال صلى الله عليه وسلم : المحبة على الموافقة في المعاصي " فصار محب العاصي كالعاصي . المرء مع من أحب
[ ص: 201 ] فأما ، فإن كانت لهوى يفضي إلى ريبة ، كرهت وإن كانت لاستحسان صنع الله تعالى وبديع خلقه ، لم تكره وكانت بالمستحبة أشبه . المحبة لاستحسان الصور