فصل : فأما ، فقد أوجبها قوم لأنه يؤدي إلى المعرفة ، ومنع منها آخرون لأن الحلى قد يشتبه ، والذي عليه الجمهور أنه استظهار له باعثه على التذكر ، كالخط الذي يراد ليذكر الشهادة ، ولا يعول عليه في الأداء ، وإذا جازت التحلية استظهارا بها اشتمل الكلام فيها على فصلين : تحلية المشهود عليه إذا كان مجهولا
أحدهما : ما يجوز أن يحلى فيه المقر به .
والثاني : ما يجوز أن يحلى فيه المقر .
فأما الفصل الأول : فيما يجوز أن يحلى فيه المقر ، فالحقوق المقر بها على ثلاثة أضرب :
أحدها : ما لا يحتاج إلى التحلية ، وهو الوصايا ، وما لا يلزم في العقود .
والثاني : ما يحتاج فيه إلى التحلية ، وهي الديون ، والبراءات ، والحقوق المؤجلة .
[ ص: 49 ] والثالث : ما لم يجر العرف فيه بالتحلية ، وإن جازت ، وهي عقود البياعات الناجزة ، والمناكح ، والوكالات .
وأما الفصل الثاني : فيما يجوز أن يحلى به المقر ، فقد حده قوم بأنه ما يجوز أن يستدل به القائف في إلحاق النسب ، ومنعوا من التحلية بما يجوز أن يحدث من آثار ، وجراح ، أو يمكن أن يغير من شيب وشباب .
وحده آخرون بأنه كل ما اشتهر به من أوصافه ، ومنعوا من تحليته ما لم يشتهر به ، والذي عليه الجمهور أن التحلية تكون بكل ما دلت على المحلى من أوصافه الظاهرة دون الباطنة ، فمنها الطول ، والقصر ، ومنها اللون من بياض أو سواد أو سمرة ، ومنها البدن من سمن أو هزال ، ومنها الكلام كاللثغة ، والفأفأة ، والتمتمة والردة وما في اللسان من العجلة والثقل ، ومنها ما في العين من الكحلة ، والشهلة ، والشكلة فقد قيل : إن الشكلة هي كمية الحمرة في بياض العين ، والشهلة كمية الحمرة في سواد العين ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في عينه شكلة ومنها الشعر في الجعودة والسبوطة ، وقيل : لا يحلى به لأنه قد يتصنع الناس تجعيد السبط وتسبيط الجعد ، وهذا ليس بشيء لأنه قد يعرف المصنوع من المخلوق ، ومنها سواد الشعر وبياضه ، وقيل : لا يحلى به لأن السواد قد يبيض والبياض قد يخضب ، وهذا ليس بشيء لأن بياض السواد يعلو السن ، قد بدل عليه تاريخ الشهادة ، وخضاب البياض يظهر للمتأمل ، واختلف في جواز التحلية بالصمم فجوزه قوم ، ومنع منه آخرون ، لأنه قد يكون من مرض فيزول .
فأما التحلية بما في الفم من الأسنان ، فيجوز بما ظهر من الثنايا والأنياب ، ويمنع منها بما بطن من الأضراس ، وتجوز التحلية بالجراح ، والشجاج ، والآثار اللازمة ، ولا تجوز بالثياب واللباس ، وتجوز تحلية النساء بما في وجوههن ، وبما ظهر من طول وقصر وهزال أو سمن ، وتجوز تحلية المشهود له أيضا والله أعلم بالصواب .