[ ص: 6 ] باب وحيث لا يجوز فيه النساء وحيث يجوز وحكم القاضي بالظاهر عدة الشهود
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ودل الله جل ثناؤه على أن لقوله لا يجوز في الزنى أقل من أربعة لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء سعد : يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ فقال : " نعم " ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثلاثة لما لم يقم الرابع ، وقال الله ، جل ثناؤه في الإمساك والفراق وجلد وأشهدوا ذوي عدل منكم فانتهى إلى شاهدين ، ودل على ما دل قبله من نفي أن يجوز فيه إلا رجال لا نساء معهم ، لأنه لا يحتمل إلا أن يكونا رجلين ، وقال الله جل ثناؤه في آية الدين فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ولم يذكر في شهود الزنى ولا الفراق ولا الرجعة امرأة ، ووجدنا شهود الزنى يشهدون على حد لا مال ، والطلاق والرجعة تحريم بعد تحليل ، وتثبيت تحليل لا مال ، والوصية إلى الموصى إليه قيام بما أوصي به إليه لا أن له مالا ، ولا أعلم أحدا من أهل العلم خالف في أنه لا يجوز في الزنى إلا الرجال ، وأكثرهم قال ولا في الطلاق ولا في الرجعة إذا تناكر الزوجان ، وقالوا ذلك في الوصية ، فكان ذلك كالدلالة على ظاهر القرآن ، وكان أولى الأمور بأن يصار إليه ويقاس عليه ، والدين مال فما أخذ به المشهود له مالا جازت فيه ، وما عدا ذلك فلا يجوز فيه إلا الرجال قال شهادة النساء مع الرجال الشافعي رحمه الله : وفي قول الله تبارك وتعالى فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان وقال : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى دلالة على أن ولا يجوز منهن إلا امرأتان فصاعدا وأصل النساء أنه قصر بهن عن أشياء بلغها الرجال أنهم جعلوا قوامين عليهن ، وحكاما ، ومجاهدين ، وأن لهم السهمان من الغنيمة دونهن ، وغير ذلك ، فالأصل أن لا يجزن ، فإذا أجزن في موضع لم يعد بهن ذلك الموضع ، وكيف أجازهن لا تجوز شهادة النساء حيث لا يجزن إلا مع الرجل محمد بن الحسن في الطلاق والعتاق وردهن في الحدود ؟ قال الشافعي رحمه الله : وفي إجماعهم على أن لا يجزن ، ولم يستنبن في الإعواز من الأربعة - دليل [ ص: 7 ] على أن لا يجزن على الزنى إذ لم يستنبن في الإعواز من شاهدين " . في الوصية
قال الماوردي : وجملة الشهادة أن المعتبر فيها ثلاثة شروط ، العدد ، والجنس ، والعدالة . فأما العدالة فمعتبرة في كل شهادة ، ولا تقبل شهادة الفاسق بحال ، وأما العدد والجنس ، فيعتبران بالمشهود فيه ، وهو ضربان :
أحدهما : ما كان من حقوق الله تعالى ، وهي تنقسم ثلاثة أقسام :
أحدها : ما لا يقبل فيه أقل من أربعة رجال لا امرأة فيهم ، وهو الزنى ، واللواط ، وإتيان البهائم : لقول الله تعالى : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء [ النور : 4 ] . الآية
وقال تعالى : لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء الآية .
وقال تعالى : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم [ النساء : 15 ] . سعد بن عبادة : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا ، أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ قال : " نعم " شهد عند وقال عمر على المغيرة بالزنى - أبو بكرة ، ونافع ، ونفيع وتوقف زياد عن إكمال الشهادة ، فجلد عمر الثلاثة ، ولم يرجم المغيرة .
والقسم الثاني : ، وهو ما سوى الزنى من حدود الله تعالى ، كالقطع في السرقة ، وحد الحرابة ، والجلد في الخمر ، والقتل في الردة ، وهو قول جمهور الفقهاء . وقال ما يقبل فيه شاهدان لا امرأة فيهما الحسن البصري : كل ما أوجب القتل لا أقبل فيه أقل من أربعة كالزنى ، وهذا فاسد ، لأن الزنى مختلف ، فبعضه يوجب الرجم ، وبعضه يوجب الجلد ، والشهادة فيهما واحدة ، فوجب أن يخالف ما عداه فيما يوجب القتل ، ولا يوجبه في ذلك أن تكون البينة فيه واحدة ، واتفقوا على أن غير مقبولة ، إلا ما حكي عن شهادة النساء في الحدود عطاء ، وحماد بن أبي سليمان أن شهادة النساء في الحدود مقبولة كالأموال ، وهذا فاسد . لقول الله تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] . ولأن حدود الله تعالى تدرأ بالشبهات ، فكانت الشهادة فيها أغلظ من الشهادة في غيرها مما لا يدرأ بالشبهات ، كما أن الزنى لما كان أغلظ من السرقة لتعديه إلى اثنين ، واختصاصه بإسقاط نسب الولد ، كانت الشهادة فيه أغلظ منها فيما عداه .
[ ص: 8 ] والقسم الثالث : ما اختلف عدد الشهادة فيه وهو ، وفيه الإقرار بالزنى للشافعي قولان :
أحدهما : أنه لا يثبت بأقل من أربعة شهود لا امرأة فيهم ، لأنه موجب لحد الزنى كالشهادة على فعل الزنى .
والقول الثاني : أنه يثبت بشاهدين ، لأنه إقرار فأشبه الإقرار بما عداه .