مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : " ولا أحب لمن ترك الجمعة بالعذر أن يصلي حتى يتأخر انصراف الإمام ثم يصلي جماعة فمن صلى من الذين لا جمعة عليهم قبل الإمام أجزأتهم وإن صلى من عليه الجمعة قبل الإمام أعادها ظهرا بعد الإمام " .
قال الماوردي : وهذا كما قال . ضربان : ضرب تأخروا عنها لعذر . وضرب تأخروا عنها لغير عذر . المتأخرون عن حضور الجمعة
فأما المتأخرون عنها لعذر فضربان : ضرب يرجى زوال أعذارهم : كالعبد الذي يرجى زوال رقه ، والمسافر الذي يرجى زوال سفره ، والمريض الذي يرجى زوال مرضه ، فيختار لهم أن لا يصلوا الظهر إلا بعد انصراف الإمام من صلاة الجمعة : لأنه ربما زالت أعذارهم فحضروها ، فإن صلوا الظهر قبل انصراف الإمام أجزأهم ، فلو زالت أعذارهم بعد ذلك والجمعة قائمة لم يلزمهم حضورها .
وضرب لا يرجى زوال أعذارهم : كالنساء لا يرجى لهن زوال الأنوثية ، فيختار لهم أن يصلوا الظهر لأول وقتها ، ولا ينتظروا انصراف الإمام ، ليدركوا فضيلة الوقت .
وأما المتأخرون عنها بغير عذر : فلا يجوز لهم أن يصلوا الظهر قبل انصراف الإمام من صلاة الجمعة : لأن فرضهم الجمعة لا الظهر ، فإن صلوا الظهر بعد انصراف الإمام أجزأهم [ ص: 424 ] ذلك قضاء عن فرضهم ، وإن صلوا الظهر قبل انصراف الإمام : فإن قدروا على حضور الجمعة لزمهم حضورها : لبقاء فرضهم ، وإن فاتهم حضورها فهل تجزئهم صلاة الظهر التي صلوها قبل انصراف الإمام أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : وهو قوله في القديم : تجزئهم . والثاني : وهو قوله في الجديد : لا تجزئهم ، وعليهم أن يعيدوا ظهرا بعد فراغ الإمام ، وهذان القولان مخرجان من قول الشافعي ، رضي الله عنه ، في صلاة الجمعة هل هي ظهر مقصورة بشرائط أو هي فرض مشروع بذاته : فأحد قوليه وهو القديم : إنها ظهر مقصورة بشرائط ، بدلالة أن من فاته الجمعة قضاها ظهرا أربعا ، ولو كانت فرضا بذاته قضاها جمعة كالأداء ، فعلى هذا تجزئه صلاة الظهر قبل فراغ الإمام . والقول الثاني وهو الجديد : إن صلاة الجمعة فرض مشروع بذاته ، وليست بدلا من صلاة الظهر : لأن الإبدال على ضربين : بدل مرتب لا يجوز العدول إليه إلا بالعجز عن المبدل كالتيمم والرقبة في الكفارة ، وبدل هو مخير بينه وبين الأصل كالمسح على الخفين وجزاء الصيد ، فلو كانت الجمعة بدلا من الظهر لم يكن عاصيا بتركها إلى الظهر ، ولكان مخيرا بينهما ، فعلى هذا لا تجزئه صلاة الظهر قبل فراغ الإمام .