فصل : ولما استقرت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - دار هجرته ، ونزل المهاجرون على الأنصار ، ؛ ليزيدهم ألفة ، وتناصرا ، ثم وادع من حوله من آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه اليهود لتستقر بهم الدار ، وإنهم أهل كتاب يرجو منهم أن يؤدوا الأمانة بإظهار ما فيه من ذكر نبوته ، فخانوا الأمانة وجحدوا الصفة ، وظهر المنافقون بالمدينة ، يعلنون الإسلام ويبطنون الكفر ، ويوافقون اليهود في السر على التكذيب ، وكان النفاق في الشيوخ ، ولم يكن في الأحداث إلا واحد ، وكان رأس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول : فصار فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبول الظاهر من إسلامهم ، وإنكار الباطن من نفاقهم ، وقصدته اليهود بالمكر ، فحرضوا بين الأوس والخزرج ، وذكروهم تراث الجاهلية ليختلفوا فينقض بهم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأصلح بينهم ، وقطع اختلافهم ، وعادت ألفتهم ، وهو مع ذلك يدعو إلى الإسلام حتى أذن له في القتال ، فكان في ثلاثين رجلا من أول لواء عقده في سنة مقدمه لحمزة بن عبد المطلب المهاجرين ، في شهر رمضان بعد سبعة أشهر من هجرته : ليعترض عيرا لقريش فيها أبو جهل بن هشام في ثلاثمائة رجل ، فبلغوا سيف البحر ، واصطفوا للقتال ، حتى حجر بينهم مجدي بن عمرو الجهني : فافترقوا وعاد حمزة ولم يلق كيدا .
ثم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ، عقد له فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لواء في شوال ، وهو الشهر الثامن من هجرته على ستين رجلا من سرية المهاجرين ، ليعترض عيرا لقريش فيها أبو سفيان بن حرب في مائتي رجل على عشرة أميال من الجحفة ، فتناوشوا ، ولم يسلوا السيوف .
ورمى سعد بن أبي وقاص بسهم فكان أول سهم رمي في الإسلام ، وعاد ولم يلق كيدا .
ثم سعد بن أبي وقاص في ذي القعدة بعد تسعة أشهر من هجرته ، عقد له لواء على عشرين رجلا : ليعترض عيرا سرية لقريش ، ففاتته فكانت له في السنة الأولة من هجرته هذه السرايا الثلاث .