[ ص: 466 ] باب الضمان على البهائم
قال
الشافعي : " أخبرنا
مالك ، عن
الزهري ، عن
حرام بن سعد بن محيصة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924827أن ناقة للبراء دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى عليه السلام أن على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها . ( قال
الشافعي ) رحمه الله :
nindex.php?page=treesubj&link=16787والضمان على البهائم وجهان : أحدهما : ما أفسدت من الزرع بالليل ضمنه أهلها ، وما أفسدت بالنهار لم يضمنوه " .
قال
الماوردي : هذا الباب مقصور على جنايات البهائم المضمونة على أربابها ، بعد ما تقدم من جنايات الآدميين المضمونة عليهم ، وهي ضربان :
أحدهما : أن تكون سارحة في مراعيها وهي مسألة الكتاب فتعدل من مراعيها إلى زروع ترعاها ، وأشجار تفسدها ، أو تفسد ثمرها ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون معها أربابها ، فيضمنوا ما أفسدته ليلا ونهارا : لأن فعل البهيمة إذا كانت مع صاحبها منسوب إليه ، وإذا لم يكن معها منسوب إليها ، كالكلب إذا أرسله صاحبه أكل ما صاده ، وإذا استرسل بنفسه لم يؤكل .
والضرب الثاني : أن تنفرد البهائم عن أربابها ، ولا يكونوا معها ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن ينسب أربابها إلى التفريط : لإرسالهم لها فيما لا يستبيحون رعيه ، أو فيما يضيق عن كفاياتهم ، كحريم الأنهار وطرق الضباع ، فعليهم ضمان ما أفسدته ليلا ونهارا : لأن التفريط عدوان يوجب الضمان .
والضرب الثاني : أن لا ينسب أربابها إلى التفريط : لإرسالهم لها نهارا في موات يتسع لها ، وحبسها ليلا في مراحها وعطنها ، فذهب
الشافعي أنه لا ضمان عليهم فيما رعته نهارا ، وعليهم ضمان ما رعته ليلا ، وفرق بين رعي الليل والنهار بالسنة والاعتبار .
[ ص: 467 ] وسوى
أبو حنيفة بين رعي الليل والنهار ، ولم يفرق بينهما ، واختلف أصحابه في مذهبه الذي سوى فيه بين الليل والنهار ، فحكى البغداديون منهم عنه : سقوط الضمان في الزمانين . وحكى الخراسانيون عنه : وجوب الضمان في الزمانين .
واستدل من ذهب إلى سقوط الضمان فيهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924828العجماء جبار .
وروي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924551جرح العجماء جبار .
والعجماء : البهيمة . والجبار : الهدر الذي لا يضمن . ولأن ما سقط ضمانه نهارا سقط ضمانه ليلا ، كالودائع طردا والغصوب عكسا .
واستدل من ذهب إلى وجوب الضمان في الزمانين بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ولأن ما وجب ضمانه ليلا وجب ضمانه نهارا ، كالغصوب طردا والودائع عكسا .
ودليلنا على الفرق بين الزمانين في وجوب الضمان ليلا وسقوطه نهارا : سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما ورد به التنزيل في قصة
داود وسليمان ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما [ الأنبياء : 78 - 79 ] وفي الحرث الذي حكما فيه قولان :
أحدهما : أنه زرع وقعت فيه الغنم ليلا ، قاله
قتادة ، وهو الأشبه بلفظ الحرث .
والثاني : أنه كرم وقعت فيه الغنم ، قاله
ابن مسعود ، وهو أشهر في النقل .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78إذ نفشت فيه غنم القوم [ الأنبياء : 78 ] والنفش : رعي الليل . والهمل : رعي النهار . قاله
قتادة . فدل على أن القضاء كان في رعي الليل دون النهار .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وكنا لحكمهم شاهدين [ الأنبياء : 78 ] يعني : حكم
داود وحكم
سليمان ، والذي حكم به
داود على ما ورد به النقل وإن لم يدل القرآن عليه ، أنه جعل الغنم ملكا لصاحب الحرث عوضا عن فساده ، وكان
سليمان عليه السلام حاضر الحكمة ، فقال : أرى أن تدفع الغنم إلى صاحب الكرم : لينتفع بها ، ويدفع الكرم إلى صاحب الغنم : ليعمره ، فإذا عاد إلى ما كان عليه رده على صاحبه واسترجع غنمه ، فصوب الله تعالى حكم
سليمان وبين خطأ
داود فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79ففهمناها سليمان [ الأنبياء : 79 ] فرد
داود حكمه ، وأمضى حكم
سليمان ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79وكلا آتينا حكما وعلما [ الأنبياء : 79 ] يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه آتى كل واحد منهما حكما وعلما في وجوب ذلك الضمان ليلا ، وإن اختلفا في صفته : لأنهما اتفقا على وجوب الضمان ، وإن اختلفا في الصفة .
[ ص: 468 ] والثاني : معناه أن خص كل واحد منهما بعلم أفرده به دون الآخر ، فصار كل واحد منهما قد أوتي حكما وعلما .
فإن قيل : فكيف نقض
داود حكمه باجتهاد غيره ؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنه ذكر الحكم ولم يمضه ، حتى بان له صواب ما حكم به
سليمان فعدل إليه ، وحكم به . وهذا جائز .
والثاني : أن الله تعالى صوب قضاء
سليمان ، فصار نصا ، وحكم ما خالف النص مردود .
والدليل من هذه الآية على من سوى بين الليل والنهار . وفي سقوط الضمان نص صريح : لأن الله تعالى قد أوجبه في رعي الغنم في الليل . وعلى من سوى بينهما في وجوب الضمان من طريق التنبيه : لأنه حكم على صفة تقتضي انتفاء عند عدمها ، ثم جاءت السنة بنص صريح في الفرق بين الليل والنهار ، وهو الحديث المتقدم في صدر الكتاب رواه
الشافعي ، عن
مالك ، عن
الزهري ، عن
حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة
للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت ، فإن قيل :
حرام بن سعد لا صحبة له ، فكان مرسلا .
قيل . قد رواه
الشافعي مسندا ، عن
أيوب بن سويد ، عن
الأوزاعي ، عن
الزهري ، عن
حرام بن سعد بن محيصة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=2005893عن البراء بن عازب أنه كانت له ناقة ضارية دخلت حائط قوم ، فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضمان على أهلها . فقد رواه
الشافعي ، عن
مالك ، عن
الزهري ، مرسلا ، ورواه
الشافعي ، عن
أيوب ، عن
الأوزاعي ، عن
الزهري ، مسندا فتأكد . وهو نص صريح في
nindex.php?page=treesubj&link=16787وجوب الضمان بالليل ، وسقوطه بالنهار لا تأويل فيه بصرفه عن ظاهر نصه ، ثم الفرق بين الليل والنهار من طريق المعنى من وجهين :
أحدهما : أن المواشي والزروع مرصدان لطلب الفضل فيهما ، واستمداد الرزق منهما ، والفضل في المواشي بإرسالها نهارا في مراعيها ، فسقط حفظها فيه . والفضل في الزروع بعمل أهلها نهارا فيها ، فوجب عليهم حفظها فيه .
والثاني : أن الليل زمان النوم والدعة ، فلزم أرباب المواشي فيه حفظها في أفنيتهم ومساكنهم ، وسقط فيه عن أرباب الزروع حفظها لإيوائهم فيه إلى مساكنهم ، فثبت بهذين حفظ الزروع على أهلها في النهار دون الليل ، وحفظ المواشي على أهلها
[ ص: 469 ] بالليل دون النهار ، فلذلك صار رعي النهار هدرا : لوجوب الحفظ فيه على أرباب الزروع ، ورعي الليل مضمونا بالوجوب : للحفظ فيه على أرباب المواشي .
والدليل من القياس على من سوى بين الليل والنهار ، في وجوب الضمان : أن النهار زمان لا ينسب أرباب المواشي فيه إلى التفريط ، فوجب أن يسقط عنهم ضمان ما أفسدته قياسا على غير الزروع .
والدليل على من سوى بين الليل والنهار ، في سقوط الضمان : أن الليل زمان ينسب أرباب المواشي فيه إلى التفريط ، فوجب أن يلزمهم الضمان ما أفسدت ، قياسا على غير الزروع .
والدليل من القياس على الفريقين : أنها بهائم أفسدت مالا فوجب أن يكون الضمان معتبرا بجهة التفريط قياسا على غير الزروع من سائر الأموال .
فأما جواب من أسقط الضمان لقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=924828العجماء جبار فمن وجهين :
أحدهما : أن الرواية : " جرح العجماء " ، والجرح لا يكون في رعي الزروع .
والثاني : أنه محمول على رعي النهار .
والجواب عن قياسهم على رعي النهار : فالمعنى في النهار عدم التفريط ، وفي الليل وجود التفريط فافترقا . وأما جواب من أوجب الضمان لقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه " ، فهو أنه ليس استعماله في حفظ أموال أرباب الزروع بأولى من استعماله في حفظ أموال أرباب المواشي ، فسقط الاستدلال به لتكافؤ الأمرين فيه .
وأما الجواب عن قياسهم على رعي الليل ، فالمعنى في الليل وجود التفريط ، وفي النهار عدمه .
[ ص: 466 ] بَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْبَهَائِمِ
قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=924827أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ ، فَقَضَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ ، وَمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا . ( قَالَ
الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ :
nindex.php?page=treesubj&link=16787وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَهَائِمِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ بِاللَّيْلِ ضَمِنَهُ أَهْلُهَا ، وَمَا أَفْسَدَتْ بِالنَّهَارِ لَمْ يَضْمَنُوهُ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : هَذَا الْبَابُ مَقْصُورٌ عَلَى جِنَايَاتِ الْبَهَائِمِ الْمَضْمُونَةِ عَلَى أَرْبَابِهَا ، بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جِنَايَاتِ الْآدَمِيِّينَ الْمَضْمُونَةِ عَلَيْهِمْ ، وَهِيَ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ سَارِحَةً فِي مَرَاعِيهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَتُعْدَلُ مِنْ مَرَاعِيهَا إِلَى زُرُوعٍ تَرْعَاهَا ، وَأَشْجَارٍ تُفْسِدُهَا ، أَوْ تُفْسِدُ ثَمَرَهَا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ مَعَهَا أَرْبَابُهَا ، فَيَضْمَنُوا مَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلًا وَنَهَارًا : لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ إِذَا كَانَتْ مَعَ صَاحِبِهَا مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْسُوبٌ إِلَيْهَا ، كَالْكَلْبِ إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ أَكَلَ مَا صَادَهُ ، وَإِذَا اسْتُرْسِلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُؤْكَلْ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ تَنْفَرِدَ الْبَهَائِمُ عَنْ أَرْبَابِهَا ، وَلَا يَكُونُوا مَعَهَا ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُنْسَبَ أَرْبَابُهَا إِلَى التَّفْرِيطِ : لِإِرْسَالِهِمْ لَهَا فِيمَا لَا يَسْتَبِيحُونَ رَعْيَهُ ، أَوْ فِيمَا يَضِيقُ عَنْ كِفَايَاتِهِمْ ، كَحَرِيمِ الْأَنْهَارِ وَطُرُقِ الضِّبَاعِ ، فَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلًا وَنَهَارًا : لِأَنَّ التَّفْرِيطَ عُدْوَانٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ لَا يُنْسَبَ أَرْبَابُهَا إِلَى التَّفْرِيطِ : لِإِرْسَالِهِمْ لَهَا نَهَارًا فِي مَوَاتٍ يَتَّسِعُ لَهَا ، وَحَبْسِهَا لَيْلًا فِي مُرَاحِهَا وَعَطَنِهَا ، فَذَهَبَ
الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا رَعَتْهُ نَهَارًا ، وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُ مَا رَعَتْهُ لَيْلًا ، وَفَرَّقَ بَيْنَ رَعْيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِالسُّنَّةِ وَالِاعْتِبَارِ .
[ ص: 467 ] وَسَوَّى
أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ رَعْيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي مَذْهَبِهِ الَّذِي سَوَّى فِيهِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، فَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْهُمْ عَنْهُ : سُقُوطَ الضَّمَانِ فِي الزَّمَانَيْنِ . وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْهُ : وُجُوبَ الضَّمَانِ فِي الزَّمَانَيْنِ .
وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى سُقُوطِ الضَّمَانِ فِيهِمَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924828الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ .
وَرُوِيَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=924551جَرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ .
وَالْعَجْمَاءُ : الْبَهِيمَةُ . وَالْجُبَارُ : الْهَدَرُ الَّذِي لَا يُضْمَنُ . وَلِأَنَّ مَا سَقَطَ ضَمَانُهُ نَهَارًا سَقَطَ ضَمَانُهُ لَيْلًا ، كَالْوَدَائِعِ طَرْدًا وَالْغُصُوبِ عَكْسًا .
وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي الزَّمَانَيْنِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ ضَمَانُهُ لَيْلًا وَجَبَ ضَمَانُهُ نَهَارًا ، كالْغُصُوبِ طَرْدًا وَالْوَدَائِعِ عَكْسًا .
وَدَلِيلُنَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ لَيْلًا وَسُقُوطِهِ نَهَارًا : سُنَّةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا وَرَدَ بِهِ التَّنْزِيلُ فِي قِصَّةِ
دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [ الْأَنْبِيَاءِ : 78 - 79 ] وَفِي الْحَرْثِ الَّذِي حَكَمَا فِيهِ قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ زَرْعٌ وَقَعَتْ فِيهِ الْغَنَمُ لَيْلًا ، قَالَهُ
قَتَادَةُ ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِلَفْظِ الْحَرْثِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ كَرْمٌ وَقَعَتْ فِيهِ الْغَنَمُ ، قَالَهُ
ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَهُوَ أَشْهَرُ فِي النَّقْلِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ [ الْأَنْبِيَاءِ : 78 ] وَالنَّفْشُ : رَعْيُ اللَّيْلِ . وَالْهَمْلُ : رَعْيُ النَّهَارِ . قَالَهُ
قَتَادَةُ . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ كَانَ فِي رَعْيِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=78وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 78 ] يَعْنِي : حُكْمَ
دَاوُدَ وَحُكْمَ
سُلَيْمَانَ ، وَالَّذِي حَكَمَ بِهِ
دَاوُدُ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّقْلُ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ ، أَنَّهُ جَعَلَ الْغَنَمَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْحَرْثِ عِوَضًا عَنْ فَسَادِهِ ، وَكَانَ
سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَاضِرَ الْحِكْمَةِ ، فَقَالَ : أَرَى أَنْ تُدْفَعَ الْغَنَمُ إِلَى صَاحِبِ الْكَرْمِ : لِيَنْتَفِعَ بِهَا ، وَيُدْفَعَ الْكَرْمُ إِلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ : لِيُعَمِّرَهُ ، فَإِذَا عَادَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَاسْتَرْجَعَ غَنَمَهُ ، فَصَوَّبَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ
سُلَيْمَانَ وَبَيَّنَ خَطَأَ
دَاوُدَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ [ الْأَنْبِيَاءِ : 79 ] فَرَدَّ
دَاوُدُ حُكْمَهُ ، وَأَمْضَى حُكْمَ
سُلَيْمَانَ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=79وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [ الْأَنْبِيَاءِ : 79 ] يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ آتَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمًا وَعِلْمًا فِي وُجُوبِ ذَلِكَ الضَّمَانِ لَيْلًا ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ : لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ .
[ ص: 468 ] وَالثَّانِي : مَعْنَاهُ أَنْ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعِلْمٍ أَفْرَدَهُ بِهِ دُونَ الْآخَرِ ، فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أُوتِيَ حُكْمًا وَعِلْمًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ نَقَضَ
دَاوُدُ حُكْمَهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ ؟ فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ ذَكَرَ الْحُكْمَ وَلَمْ يُمْضِهِ ، حَتَّى بَانَ لَهُ صَوَابُ مَا حَكَمَ بِهِ
سُلَيْمَانُ فَعَدَلَ إِلَيْهِ ، وَحَكَمَ بِهِ . وَهَذَا جَائِزٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَوَّبَ قَضَاءَ
سُلَيْمَانَ ، فَصَارَ نَصًّا ، وَحُكْمُ مَا خَالَفَ النَّصَّ مَرْدُودٌ .
وَالدَّلِيلُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ . وَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ نَصٌّ صَرِيحٌ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُ فِي رَعْيِ الْغَنَمِ فِي اللَّيْلِ . وَعَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ طَرِيقِ التَّنْبِيهِ : لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى صِفَةٍ تَقْتَضِي انْتِفَاءً عِنْدَ عَدَمِهَا ، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
مَالِكٍ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً
لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ ، فَإِنْ قِيلَ :
حَرَامُ بْنُ سَعْدٍ لَا صُحْبَةَ لَهُ ، فَكَانَ مُرْسَلًا .
قِيلَ . قَدْ رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ مُسْنَدًا ، عَنْ
أَيُّوبَ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، عَنْ
حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=2005893عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ ، فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ ، وَمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَمَانٌ عَلَى أَهْلِهَا . فَقَدْ رَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
مَالِكٍ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، مُرْسَلًا ، وَرَوَاهُ
الشَّافِعِيُّ ، عَنْ
أَيُّوبَ ، عَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، مُسْنَدًا فَتَأَكَّدَ . وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16787وُجُوبِ الضَّمَانِ بِاللَّيْلِ ، وَسُقُوطِهِ بِالنَّهَارِ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ بِصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِ نَصِّهِ ، ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى مِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمَوَاشِيَ وَالزُّرُوعَ مَرْصَدَانِ لِطَلَبِ الْفَضْلِ فِيهِمَا ، وَاسْتِمْدَادِ الرِّزْقِ مِنْهُمَا ، وَالْفَضْلُ فِي الْمَوَاشِي بِإِرْسَالِهَا نَهَارًا فِي مَرَاعِيهَا ، فَسَقَطَ حِفْظُهَا فِيهِ . وَالْفَضْلُ فِي الزُّرُوعِ بِعَمَلِ أَهْلِهَا نَهَارًا فِيهَا ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهَا فِيهِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ اللَّيْلَ زَمَانُ النَّوْمِ وَالدَّعَةِ ، فَلَزِمَ أَرْبَابَ الْمَوَاشِي فِيهِ حِفْظُهَا فِي أَفْنِيَتِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ ، وَسَقَطَ فِيهِ عَنْ أَرْبَابِ الزُّرُوعِ حِفْظُهَا لِإِيوَائِهِمْ فِيهِ إِلَى مَسَاكِنِهِمْ ، فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ حِفْظُ الزُّرُوعِ عَلَى أَهْلِهَا فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ ، وَحِفْظُ الْمَوَاشِي عَلَى أَهْلِهَا
[ ص: 469 ] بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ ، فَلِذَلِكَ صَارَ رَعْيُ النَّهَارِ هَدَرًا : لِوُجُوبِ الْحِفْظِ فِيهِ عَلَى أَرْبَابِ الزُّرُوعِ ، وَرَعْيُ اللَّيْلِ مَضْمُونًا بِالْوُجُوبِ : لِلْحِفْظِ فِيهِ عَلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي .
وَالدَّلِيلُ مِنَ الْقِيَاسِ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ : أَنَّ النَّهَارَ زَمَانٌ لَا يُنْسَبُ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي فِيهِ إِلَى التَّفْرِيطِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُمْ ضَمَانُ مَا أَفْسَدَتْهُ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الزُّرُوعِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْ سَوَّى بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ : أَنَّ اللَّيْلَ زَمَانٌ يُنْسَبُ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي فِيهِ إِلَى التَّفْرِيطِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُمُ الضَّمَانُ مَا أَفْسَدَتْ ، قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الزُّرُوعِ .
وَالدَّلِيلُ مِنَ الْقِيَاسِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ : أَنَّهَا بَهَائِمُ أَفْسَدَتْ مَالًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ مُعْتَبَرًا بِجِهَةِ التَّفْرِيطِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الزُّرُوعِ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ .
فَأَمَّا جَوَابُ مَنْ أَسْقَطَ الضَّمَانَ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=924828الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الرِّوَايَةَ : " جَرْحُ الْعَجْمَاءِ " ، وَالْجَرْحُ لَا يَكُونُ فِي رَعْيِ الزُّرُوعِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَعْيِ النَّهَارِ .
وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى رَعْيِ النَّهَارِ : فَالْمَعْنَى فِي النَّهَارِ عَدَمُ التَّفْرِيطِ ، وَفِي اللَّيْلِ وُجُودُ التَّفْرِيطِ فَافْتَرَقَا . وَأَمَّا جَوَابُ مَنْ أَوْجَبَ الضَّمَانَ لِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ " ، فَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حِفْظِ أَمْوَالِ أَرْبَابِ الزُّرُوعِ بِأَوْلَى مِنَ اسْتِعْمَالِهِ فِي حِفْظِ أَمْوَالِ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي ، فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِتَكَافُؤِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى رَعْيِ اللَّيْلِ ، فَالْمَعْنَى فِي اللَّيْلِ وُجُودُ التَّفْرِيطِ ، وَفِي النَّهَارِ عَدَمُهُ .