[ ص: 406 ] باب جنين الأمة
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وفي وهو قول المدنيين ( قال جنين الأمة عشر قيمة أمه يوم جني عليها ذكرا كان أو أنثى المزني ) القياس على أصله عشر قيمة أمه يوم تلقيه لأنه قال : لو ضربها أمة فألقت جنينا ميتا ثم أعتقت فألقت جنينا آخر فعليه عشر قيمة أمه لسيدها وفي الآخر ما في جنين حرة لأمه ولورثته ( قال الشافعي ) قال محمد بن الحسن للمدنيين : أرأيتم لو كان حيا أليس فيه قيمته وإن كان أقل من عشر ثمن أمه ولو كان ميتا فعشر أمه فقد أغرمتم فيه ميتا أكثر مما أغرمتم فيه حيا ( قال الشافعي ) - رحمه الله - فقلت له : أليس أصلك جنين الحرة التي قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر عنه أنه سأل أذكر هو أم أنثى ؟ قال : بلى ، قلت : فجعلت وجعلنا فيه خمسا من الإبل أو خمسين دينارا إذا لم يكن غرة ، قال : بلى ، قلت : فلو خرجا حيين ذكرا وأنثى فماتا ؟ قال : في الذكر مائة وفي الأنثى خمسون ، قلت : فإذا زعمت أن حكمهما في أنفسهما مختلفان فلم سويت بين حكمهما ميتين أما يدلك هذا أن حكمهما ميتين حكم غيرها ثم قست على ذلك جنين الأمة ، فقلت : إن كان ذكرا فنصف عشر قيمته لو كان حيا وإن كان أنثى فعشر قيمتها لو كانت حية أليس قد جعلت عقل الأنثى من أصل عقلها في الحياة وضعف عقل الرجل من أصل عقله في الحياة لا أعلمك إلا نكست القياس ، قال : فأنت قد سويت بينهما من أجل أني زعمت أن أصل حكمهما حكم غيرهما لا حكم أنفسهما كما سويت بين الذكر والأنثى من جنين الحرة ، فكان مخرج قولي معتدلا فكيف يكون الحكم لمن لم يخرج حيا .
قال الماوردي : في جنين الأمة إذا كان مملوكا عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى ، ويكون معتبرا بأمه لا بنفسه .
وقال أبو حنيفة : جنين الأمة معتبر بنفسه يفرق فيه بين الذكر والأنثى ، فإن كان ذكرا وجب فيه نصف عشر قيمته ، وإن كان أنثى وجب فيها عشر قيمتها .
[ ص: 407 ] واستدل على اعتباره بنفسه بأمرين :
أحدهما : أنه لما وقع الفرق في جنين الأمة بين أن يكون مملوكا أو حرا وفي جنين الكافرة بين أن يكون مسلما أو كافرا دل على اعتباره بنفسه لا بغيره .
والثاني : أنه من أبويه فلما لم يعتبر بأبيه لم يعتبر بأمه ، وإذا سقط اعتباره بهما وجب اعتباره بنفسه .
واستدل على الفرق بين الذكر والأنثى بأمرين :
أحدهما : أنه لما وقع الفرق في إلقائه حيا بين الذكر والأنثى وجب أن يقع الفرق بينهما في إلقائه ميتا .
والثاني : أنه موروث واستحقاق التوارث يوجب الفرق بين الذكر والأنثى كالوارث .
والدليل على اعتباره بغيره شيئان :
أحدهما : أنه لما اعتبرت قيمة القيمة وليس له قيمة : لأنه إن قوم ميتا لم تكن للميت قيمة ، وإن قوم حيا لم تكن له حياة فوجب أن يعدل عن تقويمه عند استحالتها إلى تقويم أصله كما يجعل العبد أصلا للحر في الحكومات ، ويجعل الحر أصلا للعبد في المقدرات .
والثاني : أنه لو قوم بنفسه لوجب استيفاء قيمته كسائر المتلفات ، ولما لم يستوف قيمته لاعتباره بغيره كان أصل التقويم أولى أن يكون معتبرا بغيره .
والدليل على التسوية بين الذكر والأنثى شيئان :
أحدهما : أن حرمته حرا أغلظ من حرمته مملوكا ، فلما استوى الذكر والأنثى في أغلظ حاليه حرا ، كان أولى أن يستوي في أخف حاليه مملوكا .
والثاني : أن الفرق بين الذكر والأنثى يوجب تفضيل الذكر على الأنثى كالديات والمواريث وهم لا يفضلونه ، وتفضيل الأنثى على الذكر وإن كان مذهبهم مفضيا إليه مدفوعا بالشرع فوجبت التسوية بينهما لامتناع ما عداه .
فأما الجواب عن استدلالهم بوقوع الفرق بين حريته ورقه وبين إسلامه وكفره فهو الدليل عليهم ، لأنه لما اعتبر إسلامه وكفره وحريته ورقه بغيره لا بنفسه جاز مثله في بدل نفسه .
[ ص: 408 ] وأما الجواب عن استدلالهم بأنه لما لم يعتبر بأبيه لم يعتبر بأمه فهو أنه لما كان في الملك تابعا لأمه دون أبيه وجب في التقويم أن يكون تابعا لها دونه .
وأما الجواب عن افتراق الأنثى والذكر في الحي فهو زوال الاشتباه في الحياة أوقع الفرق بينهما ، بوقوع الاشتباه في الموت أوجب التسوية بينهما كالحر ، وهو الجواب عن وقوع الفرق بينهما في الوارث دون الموروث .