فصل : فإذا تقرر توجيه الوجهين لم يعتبر في واحد منها إنكار الوالي والإشهاد عليه ، وإن قيل بسقوط الضمان لم يجب بإنكار الوالي والإشهاد عليه ، وإن قيل بوجوب الضمان لم يسقط إمساك الوالي وترك الإشهاد عليه .
وقال أبو حنيفة : إن أنكره الوالي أو كان ميله إلى الطريق أو الجار وإن كان ميله إلى داره وأشهد عليه ضمن ، وإن لم ينكراه ولم يشهدا عليه لم يضمن فصار مخالفا كلا الوجهين احتجاجا بأمرين :
أحدهما : أنه يصير بتركه بعد الإنكار والمطالبة متعديا فلزمه الضمان لتعديه ، وهو قبل الإنذار غير متعد فلم يلزمه الضمان لعدم التعدي .
[ ص: 380 ] والثاني : أنه لما وقع الفرق في تلف الوديعة بين أن تكون بعد طلبها فيضمن ، وبين أن يكون قبل طلبها فلا يضمن ، وجب أن يقع الفرق في ميل الحائط بين أن يكون سقوطه بعد مطالبته فيضمن وبين أن يكون قبل مطالبته لا يضمن : لأن يده على حائط قد استحق عليه رفعه كما يد المودع على مال قد استحق عليه رده ، فوجب أن يستويا في الفرق بين المطالبة والإمساك .
ودليلنا شيئان :
أحدهما : أن لا يخلو ميل الحائط من أن يكون موجبا للضمان فلا يسقط بترك الإنكار ، كما لو حفر بئرا في غير ملكه ، أو يكون غير موجب للضمان فلا يجب الإنكار كما لو حفر بئرا في ملكه ، فلم يبق للإنكار تأثير في سقوط ما وجب ولا في وجوب ما سقط .
والثاني : أنه لا يخلو إما أن يكون الإنكار مستحقا فلا يسقط حكمه بعدمه كالمنكرات ، أو يكون غير مستحق فلا يثبت حكمه بوجوده كالمباحات ، فلم يبق للإنكار تأثير في إباحة محظور ولا في حظر مباح ، وبه يقع الانفصال عما احتج به من تعديه بعد الإنكار وعدمه قبله ، واحتجاجه بالوديعة لا يصح ، لأن المودع نائب عن غيره فجاز أن يتعلق ضمانها بطلبه ، وليس صاحب الحائط المائل نائبا فيه عن غيره فلم يتعلق ضمانه بإنكاره وطلبه .