مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو ضمنه دونهم إلا أن يتطوعوا ( قال قال لصاحبه : ألقه على أن أضمنه أنا وركبان السفينة المزني ) هذا عندي غلط غير مشكل وقياس معناه أن يكون عليه بحصته فلا يلزمه ما لم يضمن ولا يضمن أصحابه ما أراد أن يضمنهم إياه .
قال الماوردي : وصورتها : أن يلقي متاعه في البحر بشرط الضمان ، فلا يخلو أن يضمنه جميعهم أو أحدهم ، فإن ضمنوه جميعا فعلى ضربين :
أحدهما : أن يشتركوا فيه فيقولوا : ألقه وعلينا ضمانه ، فيكون الضمان مقسطا بين جميعهم على أعدادهم ، فإن كانوا عشرة ضمن كل واحد منهم عشر قيمته .
والضرب الثاني : أن ينفردوا فيه فيقولوا : ألقه وعلى كل واحد منا ضمانه ، فيلزم كل واحد منهم ضمان جميع قيمته ، وإن ضمنه أحدهم لم يخل من أن يضمنه عن نفسه [ ص: 337 ] أو عن جماعتهم ، فإن ضمنه عن نفسه اختص بضمانه وغرمه ، وإن عاد نفعه على جميعهم ، وإن ضمنه عنه وعنهم لم يخل أن يكون بأمرهم أو غير أمرهم ، فإن كان بأمرهم كان ضمانه عنه وعنهم لازما لجميعهم ، وإن كان على وجه الاشتراك كان متقسطا على أعدادهم ، وإن كان على وجه الانفراد لزم جميع الضمان لكل واحد منهم ، وإن ضمن عنه وعنهم بغير أمرهم لم يلزمهم ضمانه عنهم ، لأن الضمان لا يلزم إلا بقول أو فعل ولم يوجد منهم أحدهما ، وأما الضامن فيلزمه ضمان نفسه ، وقدر ما يلزمه من الضمان معتبر بلفظه ، وله فيه ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يعبر عنه بلفظ الانفراد فيقول : ألقه وعلى كل واحد منا ضمانه فعليه ضمان جميعه بلفظه وله فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن يعبر عنه .
والحال الثانية : أن يعبر عنه بلفظ الاشتراك فيقول : ألقه وعلى جماعتنا ضمانه ، فعليه من الضمان بقسطه من عددهم .
والحال الثالثة : أن يعبر عنه بلفظ مطلق فيقول : ألقه على أن أضمنه أنا وركبان السفينة ، فهي مسألة الكتاب . قال الشافعي : " ضمنه دونهم " فاختلف أصحابنا في مطلق هذا الضمان هل يقتضي حمله على الانفراد أو الاشتراك ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه يكون محمولا على الاشتراك فلا يلزمه منه إلا بحصته ، ويكون تأويل قول الشافعي " ضمنه دونهم " محمولا على أصل الضمان دون قدره ، ويكون المزني موافقا للشافعي في حكم الضمان ومخطئا عليه في تأويل كلامه .
والوجه الثاني : أنه محمول على ضمان الانفراد ، ويلزمه ضمان جميع القيمة ، ويكون قول الشافعي " ضمنه دونهم " محمولا على ضمان جميعه ، ويكون المزني مخالفا للشافعي في الحكم مصيبا في تأويل كلامه ، ووجدت لبعض أصحابنا وجها ثالثا أنه إن كان عند ضمانه عنه وعنهم ضمن أن يستخلص ذلك من أموالهم لزمه ضمان جميعه ، وإن لم يضمن استخلاصه من أموالهم لم يضمن إلا قدر حصته ، وأشار إلى هذا الوجه أبو حامد الإسفراييني ، واستشهد عليه بقول الشافعي في الخلع : ولو قال اخلع زوجتك على ألف أصححها لك من مالها لزمه ضمانها ، ولو قال : على ألف في مالها لم يلزمه ضمانها .