مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ولو طلب رجلا بسيف فألقى بنفسه عن ظهر بيت فمات لم يضمن وإن كان أعمى فوقع في حفرة ضمنت عاقلة الطالب ديته لأنه اضطره إلى ذلك .
[ ص: 319 ] قال الماوردي : وصورتها في أو في بحر أو نار حتى هلك فتنقسم حال الهارب المطلوب ثلاثة أقسام : رجل شهر سيفا وطلب به إنسانا فهرب منه المطلوب حتى ألقى نفسه من سطح أو جبل
أحدها : أن يكون بالغا عاقلا بصيرا فلا ضمان على طالبه من قود ولا دية ، لأمرين :
أحدهما : أن الطلب سبب والإلقاء مباشرة ، وإذا اجتمعا سقط حكم السبب بالمباشرة .
والثاني : أنه وإن ألجأه بالطلب إلى الهرب فلم يلجئه إلى الوقوع : لأنه لو أدركه جاز أن يجيء عليه ، وجاز أن يكف عنه ، فصار ملقي نفسه هو قاتلها دون طالبه ، لأنه قد عجل إتلاف نفسه بدلا مما يجوز أن لا يتلف به ، فصار كالمجروح إذا ذبح نفسه .
والقسم الثاني : أن يكون المطلوب أعمى فيهرب من الطالب حتى يتردى من سطح أو جبل أو يقع في بئر أو بحر ، فإن أعلم بالسطح والجبل والبئر والبحر فألقى نفسه بعد علمه كانت نفسه هدرا كالبصير ، وإن لم يعلم بذلك حتى وقع فمات فعلى طالبه الدية دون القود ، لأنه وإن لم يكن مباشرا لإلقائه فقد ألجأه إليه ، والملجئ إلى القتل ضامن كالقاتل ، ألا ترى أن الشهود إذا شهدوا عند الحاكم على رجل بما يوجب القتل فقتله ثم بان أنهم شهدوا بزور ضمنوه دون الحاكم : لأنهم ألجئوه إلى قتله فتعلق الحكم بالملجئ دون المباشر .
والقسم الثالث : أن يكون المطلوب صبيا أو مجنونا ، ففي ضمان ديتهما على الطالب وجهان مخرجان من اختلاف قول الشافعي في قصدهما للقتل هل يجري عليه حكم العمد أم لا ؟
أحدهما : أنه يضمن ديتهما إذا قيل : إنه لا يجري على قصدهما للقتل حكم العمد .
والثاني : لا يضمن ديتهما إذا قيل : إنه يجري على قصدهما للقتل حكم العمد .