[ ص: 306 ] باب صلاة الإمام قاعدا بقيام وقائما بقعود
مسألة : قال الشافعي ، وأحب للإمام إذا لم يستطع القيام في الصلاة أن يستخلف ، فإن صلى قاعدا ، وصلى الذين خلفه قياما أجزأته وإياهم ، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه وفعله الآخر ناسخ لفعله الأول وفرض الله تبارك وتعالى ، وعلى الصحيح أن يصلي قائما ، فكل قد أدى فرضه . على المريض أن يصلي جالسا إذا لم يقدر قائما
قال الماوردي : وهذا كما قال .
يستحب للإمام إذا لم يقدر أن يصلي قائما لمرضه ، وعجزه أن يستخلف عليهم من يصلي بهم قائما لأمرين .
أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر على الصلاة في مرضه ، فقال : مروا بلالا فليؤذن ، ومروا أبا بكر فليصل بالناس .
والثاني : أن من الإلباس على الراجل فلا يدري إذا رآه جالسا أهو في مكان قيام ، أو جلوس . صلاة القائم أكمل من صلاة القاعد
فإن قيل : فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه قاعدا في موضعه .
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه .
أحدها : أن ، وإنما صلى قاعدا مرتين ، أو ثلاثا فكان الاقتداء بأكثر أفعاله الأولى . أكثر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الاستخلاف في الصلاة
والثاني : أن خروج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه ، وصلاته قاعدا بأصحابه إنما كان ليعهد إليهم ، ألا تراه صلى الله عليه وسلم قال : احملوني حتى أعهد إلى الناس .
والثالث : أنه صلى الله عليه وسلم مباين لسائر أمته في فضيلة الائتمام به ، لأنه معصوم من أن يقر على خطإ ، فكانت الصلاة خلفه وهو قاعد أفضل من الصلاة خلف غيره وهو قائم صلى الله عليه وسلم ، فإن صح أن الأولى للإمام أن يستخلف فصلاتهم جائزة ، وعلى المأمومين أن يصلوا قياما إذا قدروا ، وبه قال أبو حنيفة ، وسفيان الثوري .
وقال مالك : إمامة القاعد غير جائزة ، وعلى من صلى خلفه الإعادة .
[ ص: 307 ] وقال أحمد بن حنبل ، والأوزاعي : إمامة القاعد جائزة ، ويصلي من خلفه قاعدا ، وبه قال من الصحابة أربعة : جابر بن عبد الله ، وأبو هريرة ، وأسيد بن حضير ، وقيس بن قهد ، فمن قال بقول مالك استدل برواية جابر الجعفي ، عن الشعبي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يؤمن أحد بعدي جالسا ولأن ، القارئ بالأمي . المأموم إذا أكمل مع إمامه بركن لم يجز له الائتمام به
واستدل من نصر قول أحمد بن حنبل ، ومن قال بقوله برواية الزهري ، عن أنس بن مالك ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين إنما جعل الإمام ليؤتم به . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع منه فجحش شقه الأيمن فصلى قاعدا وصلينا خلفه قياما ، فلما فرغ ، قال :
وبما روى جابر بن عبد الله عائشة ، رضي الله عنها ، فصلى التطوع فصلينا خلفه ، ثم جئناه مرة أخرى وهو يصلي المكتوبة ، فصلينا خلفه قياما ، فأشار إلينا أن اقعدوا ، فلما فرغ قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ، وإذا صلى قائما فصلوا قياما ، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين ، ولا تفعلوا كما تفعل الفرس بعظمائها . أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع ، فوقع على جزع نخلة ، فانفكت قدمه ، فجئناه نعوده وهو في بيت
والدلالة عليه ما رواه أصحاب الحديث من الخبر المشهور رواية مستفيضة ، ونقلا متواترا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر في مرضه فصلى بالناس ، ثم وجد عليه السلام خفة فخرج يتوكأ على العباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس رضي الله عنهما فتنحنح الناس أبا بكر فتأخر قليلا ، وكان هذا في مرضه الذي مات فيه ، بل روي أنه صلى ومات في يومه فكان الأخذ به والعمل عليه أولى ، وذلك سنة على أن قوله منسوخ ، لأنه لا يجوز أن يأمرهم بالقعود خلف القاعد ، ثم يقرهم بالقيام خلفه ، ويدل على ذلك خاصة أن يقال : كل من صح منه الصلاة صح منه أن يكون إماما كالقائم قياسا على القائم ، ويدل عليه أيضا بما استدل به أحمد علينا من قوله عليه السلام : وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعين ، فموضع الدليل منه تجوز إمامة القاعد ، وليس على وجوب القيام على المأموم مانع من الاستدلال بالخبر في جواز إمامة القاعد ، ويدل على أحمد خاصة ، وهو أن يقال : ولأنه قادر على القيام فلم يجز له أن يصلي قاعدا .
أصله : إذا كان إمامه قائما ، أو كان منفردا ، ولا اتباع الإمام لا يسقط عنه ركنا مقررا عليه ، ولا يلجئه إلى ما لا يلزمه في حال العجز كالركوع ، والسجود ، ولا يسقطهما اتباع الإمام ، ولا يحملهما إلى الإيماء .
[ ص: 308 ] وأما الجواب عما استدل به مالك من قوله عليه السلام : " لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا " فحديث مرسل رواه جابر الجعفي ، وكان ممن يقول بالتناسخ ، والرجعة ، ويتظاهر بسب السلف الصالح ، فلم يجب قبول خبره ، ولو وجب قبول خبره لم يجب العمل به ، لأنه مرسل ، ولو سلم وجوب العمل به كان محمولا على أحد أمرين ، إما على الاستحباب ، أو على من قدر على القيام .
وأما الجواب عن قياسه على . صلاة القارئ خلف الأمي
قلنا : في الأمي كلام ، ولو سلمنا لم يصح قياسه ، لأن الإمام قد تحمل القراءة مؤثرا في إمامته ، ولم يكن فقد القيام مؤثرا فيها .