فصل : فإذا أردت أن تعتبر كل حرف منها في بقائه وذهابه ، لم تعتبر مفردات الحروف ، لأن للحرف الواحد يجمع في الهجاء حروفا ، لكن تعتبره بكلمة يكون الحرف من جملتها إما في أولها أو في وسطها أو في آخرها ، ولو اعتبرته في الأول والوسط والأخير كان أحوط ، فإذا أردت اعتباره في أول الكلمة وكان المعتبر هو الألف أمرته أن يقول : أحمد وأسهل وأبصر وأبعد ، ليكون بعد الألف حروف متغايرة يزول بها الاشتباه ، فإن لم يسلم له الألف في هذه الأسماء والأفعال كانت ذاهبة ، وإن سلمت كانت باقية .
وإذا أردت اعتبار الباء أمرته أن يقول : بركة وبابا وبعدا ، ثم على هذه العبرة من جميع الحروف ، فإن ثقل عليه الحرف ثم يأتي به سليما عد في السليم دون الذاهب ، وإن قلبه بلثغة صارت في لسانه عد في الذاهب دون السليم ، لأن الألثغ يبدل الحروف [ ص: 266 ] باعتبارها فصار حرف اللثغة ذاهبا ، وكذلك لو صار به أرت ، لأن ما خفي بالرتة معدودا في الذاهب دون السليم ، لأن الأرت يأتي من الكلمة بعضها ويسقط بعضها ولو صار أرد يردد الكلمة مرارا أو فأفاءا يكرر الفاء مرارا ، أو تمتاما يكرر التاء مرارا ، عد ذلك منه في السليم دون الذاهب ، لأن الحرف منه سليم ، وإن تكرر ففيه حكومة ، لأن فيه مع بقائه نقصا ، ولو كان الباقي من حروف كلامه بعد الذاهب منه لا يفهم معناه لم يضمنه الجاني ، للعلم بأن بعض الحروف لا يقوم مقام جميعها فلم يلزم إلا ضمان الذاهب منها .