فصل : والسمع لا يرى فيرى ذهابه ، فلم يكن للبينة فيه مدخل مع التنازع ، ولكن [ ص: 245 ] له أمارات تدل عليه يعلم بها وجوده من عدمه ، فللجاني حالتان : تصديق ، وتكذيب . فإذا ادعى المجني عليه ذهاب سمعه
فإن صدقه على ذهاب سمعه لم يحتج إلى الاستظهار بالأمارات ، وسأل عنه عدول الطب هل يجوز أن يعود أم لا ؟ فإن نفوا عوده حكم له بالدية دون القصاص لتعذر استيفائه وإن جوزوا عوده إلى مدة قدروها وجب الانتظار بالدية إلى انقضاء تلك المدة ، فإن عاد السمع فيها سقطت الدية ، وإن لم يعد حتى انقضت استقر بها ذهاب السمع ، واستحق بها دفع الدية ، وإن كذب الجاني على ذهاب السمع اعتبر صدق المجني عليه ، لتعذر البينة ففيه بالأمارات الدالة عليه ، وذلك بأن يتغفل ثم يصاح به بأزعج صوت وأهوله يتضمن إنذارا أو تحذيرا ، فإن أزعج به والتفت لأجله ، أو أجاب عنه دل على بقاء سمعه ، فصار الظاهر مع الجاني ، فيكون القول فيه قول الجاني مع يمينه بالله أن سمعه لباق ما ذهب من جنايته ، ولو اقتصر في يمينه على أنه باقي السمع أجزأ ، ولو اقتصر على أن سمعه ما ذهب بجنايته لم يجزه ، لأن الحلف على ذهاب السمع وبقائه لا ذهابه بجناية غيره ، وإنما حلف الجاني مع ظهور الأمارة في جنايته لجواز أن يكون إزعاج المجني عليه بالصوت بالاتفاق ، وإن كان المجني عليه عند سماع الأصوات المزعجة في أوقات غفلاته غير منزعج بها دل ذلك على ذهاب سمعه ، فصار الظاهر معه ، فيكون القول قوله مع يمينه في ذهاب سمعه من جنايته ، فإن لم يقل من جنايته لم يحكم له بالدية لجواز ذهابه بغير جنايته ، ولزمه اليمين مع وجود الأمارات في جنايته لجواز أن يتصنع لها بذهابه وجلده ، ولا يقتصر بهذه الأصوات المزعجة على مرة واحدة لجواز التصنع ، ويكون ذلك من جهات وفي أوقات الخلوات حتى يتحقق زوال السمع بها ، فإن الطمع يظهر منها فيزول معه التصنع .