فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من : حكم الموضحتين بالحاجز بينهما من قليل وكثير فانخرق الحاجز بينهما حتى اتصلت الموضحتان فهذا على ضربين
أحدهما : أن تنخرق بالسراية التي تآكل بها الحاجز حتى انخرق فتكون موضحة واحدة ، لأن ما حدث عن الجناية من سراية كان مضافا إليها والجاني مأخوذ بها .
والضرب الثاني : أن ينخرق الحاجز بقطع قاطع فلا يخلو حال قاطعه من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون هو الجاني يعود فيقطعه فتكون موضحة واحدة ، لأن أفعال الجاني يبنى بعضها على بعض ، ألا ترى أنه لو قطع يديه ورجليه ثم عاد فقتله لم يلزمه إلا دية واحدة ، ولو قتله غيره لزمه ديتان في اليدين والرجلين .
والقسم الثاني : أن يقطعه المجني عليه فيلزم الجاني موضحتان ، لأن فعل المجني عليه لا يبنى على فعل الجاني كما لو قطع الجاني يديه ورجليه وقتل المجني عليه نفسه كان على الجاني ديتان في اليدين والرجلين .
[ ص: 233 ] والقسم الثالث : أن يقطعه حتى ينخرق بجنايته الحاجز الذي بينهما فتكون ثلاث مواضع يلزم الأول منها موضحتان ، ويلزم الثاني موضحة واحدة ، لأن فعل أحدهما لا يبنى على فعل الآخر ، وفعل كل واحد منهما مضمون ، كما لو قطع الأول يديه ورجليه وقتله الثاني ، كان على الأول ديتان في اليدين والرجلين ، وعلى الثاني دية النفس ، فلو اختلفا بعد زوال الحاجز الذي بينهما فقال الجاني : أنا قطعته أو انخرق بالسراية فليس علي إلا موضحة واحدة ، وقال المجني عليه : أنا قطعته أو قطعه أجنبي فعليك موضحتان - فالقول قول المجني عليه مع يمينه إذا عدم الجاني البينة ، لأننا على يقين من استحقاق الموضحتين بابتداء الجناية وفي شك من سقوط إحداهما ، فاعتبر حكم اليقين دون الشك ، كما لو قطع يديه ورجليه ثم مات المجني عليه فاختلف الجاني والولي ، فقال الولي : مات من غير جنايتك فعليك ديتان ، وقال الجاني : مات من جنايتي فعلي دية واحدة ، وأمكن ما قاله كل واحد منهما فالقول قول الولي مع يمينه ، وله ديتان لوجوبهما بابتداء الجناية .