مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وإن قطع أصبعه فتآكلت فذهبت كفه أقيد من الأصبع وأخذ أرش يده إلا أصبعا .
قال الماوردي : وهذا كما قال اختلف الفقهاء فيمن فذهب قطع إصبع رجل فسرى القطع إلى أن تآكلت كفه ثم اندملت الشافعي إلى وجوب القصاص عليه في الإصبع دون الكف ، فأوجبه في الجناية دون السراية .
[ ص: 164 ] وقال أبو حنيفة : لا قصاص عليه في الإصبع ولا في الكف ، فأسقطه في الجناية والسراية .
وقال آخرون : يجب عليه القصاص في جميع الكف فأوجبوه في الجناية والسراية .
واستدل أبو حنيفة على سقوط القصاص في الجناية والسراية بناء على أصله في أن قطع اليد إذا سرى إلى النفس وجب القصاص في النفس دون اليد ، فكان القصاص عنده معتبرا بالسراية دون الجناية ، وليس في السراية هاهنا قصاص فسقط في الجناية ، واحتج بعده بأمرين :
أحدهما : أن الجناية إذا لم تضمن سرايتها بالقود لم يضمن أصلها بالقود كالخطأ .
والثاني : أن هذه الجناية قد اجتمع فيها موجب القصاص بالمباشرة وسقط له بالسراية ، وإذا اجتمع في الجناية موجب ومسقط غلب حكم الإسقاط على الإيجاب كالعامد إذا شارك خاطئا .
والدليل على وجوب القصاص في الجناية دون السراية قول الله تعالى والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] والجرح مختص بالجناية دون السراية ، ولأن كل جناية وجب القصاص فيها مع عدم السراية وجب القصاص فيها مع وجود السراية ، قياسا على قطع يد الحامل إذا سرى إلى إسقاط حملها ، ولأنه لا يمتنع وجوب القصاص في الجناية وإن انتهت إلى ما لا قصاص فيه كمن رمى رجلا بسهم فنفذ السهم إلى آخر وماتا وجب القصاص للأول دون الثاني ، ولأننا نبنيه على أصلنا في أنه لا يسقط القصاص في الجناية وإن اقتص في السراية ، نقابل أصلهم ، وقياسهم على الخطأ فاسد بسراية الجناية إلى الحمل ، ثم المعنى في الخطأ سقوط القصاص مع الاندمال فسقط مع السراية ووجوب القصاص في العمد مع الاندماج فوجب مع السراية .
وأما قياسهم على شريك الخاطئ فالمعنى فيه مع فساده بالسراية إلى الحمل هو أن قتل الشريكين حادث بالسراية ولم يتميز سراية العمد من سراية الخطأ ، فسقط القود عنهما بسقوطه عن أحدهما ، وحكم الجناية في مسألتنا متميز عن السراية فلم يكن سقوط القود في أحدهما موجبا لسقوطه فيهما ، كما لو قطع أحدهما يده عمدا وقطع الآخر يده الأخرى خطأ لما تميز فعل أحدهما من فعل الآخر لم يكن سقوط القود عن أحدهما موجبا لسقوط القود عن الآخر .