مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله : ولو كان كان لوليه أن يفعل ذلك به على أن يقتله فأما على أن لا يقتله فلا يترك وإياه . ( وقال ) في موضع آخر : فيها قولان أحدهما هذا والآخر لا نقصه من ذلك بحال لعله إذا فعل ذلك به أن يدع قتله فيكون قد عذبه بما ليس في مثله قصاص ( قال أجافه أو قطع ذراعه فمات المزني ) - رحمه الله - قد أبى أن يوالي عليه بالجوائف كما والى عليه بالنار والحجر والخنق بمثل ذلك الحبل حتى يموت ، ففرق بين ذلك والقياس عندي على معناه أن يوالي عليه بالجوائف إذا والى بها عليه حتى يموت كما يوالي عليه بالحجر والنار والخنق حتى يموت ( قال المزني ) أولاهما بالحق عندي فيما كان في ذلك من جراح أن كل ما كان فيه القصاص أو برئ إن أقصصته منه فإن مات وإلا قتلته بالسيف وما لا قصاص في مثله لم أقصه منه وقتلته بالسيف قياسا على ما قال في أحد قوليه في الجائفة وقطع الذراع أنه لا يقصه منهما بحال ويقتله بالسيف .
قال الماوردي : لا يخلو حال الجرح إذا صار نفسا من أحد أمرين :
إما أن يكون موجبا للقصاص إذا انفرد أو لا يوجبه ، فإن أوجب القصاص إذا انفرد كالموضحة وقطع الأطراف من مفصل فيجوز أن يقتص منهما ومن النفس بعدها على ما مضى ، وإن لم يوجب القصاص إذا انفرد عن النفس فهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون موجيا في الغالب كشدخ الرأس بالحجارة ، فيوجب القصاص إذا صار نفسا ، وإن لم يوجبه إذا انفرد ، لأنه موج في القصاص كما كان موجيا في الجناية ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتص من اليهودي الذي شدخ رأس الأنصارية بشدخ رأسه .
والضرب الثاني : ما كان غير موج كالجائفة والمأمومة وقطع الأطراف من غير مفصل ، فإذا صارت نفسا جاز أن يقتص من النفس .
فأما ، فإن أراده مع عفوه عن القصاص في النفس لم يجز ، لأنه قد صار بالعفو عن النفس كالمنفرد عن السراية إلى النفس ، فلم يجز أن يقتص منه كالمنفرد ، فإن أراد أن يقتص منه مع الاقتصاص من النفس ففي جوازه قولان : الاقتصاص من الجوائف وقطع الأطراف من غير مفصل
[ ص: 147 ] أحدهما : وهو اختيار المزني لا يجوز ، لأنه قد يعفو بعد الاقتصاص منهما عن النفس فيصير مقتصا فيما لا قصاص فيه .
والقول الثاني : يجوز أن يقتص منها لدخولها في النفس ، فخالفت ما انفرد عنها ، وليس ما يتوهم من جواز العفو عن النفس مانعا من دخولها في حكم النفس ، لأنه قد يجوز لو أراد القصاص عن نفسه أن يعفو بعد حز رقبته بالسيف حزا لا قصاص فيه ، ثم يعفو بعد فعل ما لا قصاص فيه ، ولا يمنع هذا التوهم من جواز القصاص في النفس كذلك في الجوائف ، وفي هذا انفصال عما احتج به المزني للقول الأول .