مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ولو قتل نفرا قتل للأول وكانت الديات لمن بقي في ماله فإن خفي الأول منهم أقرع بينهم فأيهم قتل أولا قتل به وأعطي الباقون الديات من ماله .
[ ص: 119 ] قال الماوردي : إما في حال واحدة بأن ألقى عليهم حائطا ، أو ألقاهم في نار ، أو غرقهم في سفينة ، أو قتلهم في أوقات شتى واحدا بعد واحد وجب أن يقتل بأحدهم ، وتؤخذ من ماله ديات الباقين . إذا قتل الواحد جماعة
وقال مالك وأبو حنيفة : يقتل بجماعتهم وقد استوفوا به حقوقهم ، ولا دية لهم في ماله فإن بادر أحدهم فقتله كان مستوفيا لحقه وحقوقهم وبنى أبو حنيفة ذلك على أصلين :
أحدهما : أنه ، وأن الدية لا تستحق إلا عن مراضاة . في قتل العمد أنه لا يوجب غير القود
والثاني : أن القاتل إذا فات الاقتصاص منه بالموت لم يجب في ماله دية ، وقد مضى الكلام معه في الأصل الأول ، ويأتي الكلام معه في الأصل الثاني ، واستدل في هذه المسألة بأن ، وجب أن يكون الواحد كفؤا للجماعة إذا قتلهم قتل بهم ، ولأن الجماعة إن كانوا كفؤا للواحد إذا قتلوه قتلوا به ، كالعبد إذا قتله جماعة ، وكالمحارب إذا قتل في الحرابة جماعة ، ولأن القصاص حد ، فوجب أن يتداخل بعضه في بعض ، كحد الزنا والقطع في السرقة ولأنهم اشتركوا في عين ضاقت عن حقوق جميعهم ، فوجب أن يكونوا فيها أسوة كغرماء المفلس ، ودليلنا قول الله تعالى القصاص إذا ترادف على نفس واحدة تداخل بعضه في بعض وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس فمن جعل نفسا بأنفس خالف الظاهر وقال تعالى ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ومن قتله بجماعتهم أبطل سلطان كل واحد منهم ، ولأنها جنايات لا يتداخل خطؤها فوجب أن لا يتداخل عمدها ، كالأطراف لأن واحدا لو قطع أيدي جماعة قطع عندنا بأحدهم ، وأخذ منه ديات الباقين ، وعند أبي حنيفة يقطع يده بجماعتهم ثم يؤخذ من ماله إن كانوا عشرة تسع ديات يد تقسم بين جماعتهم ، فصار هذا الاختلاف إجماعا على أن لا تتداخل الأطراف ، ولأنها جنايات لا تتداخل في الأطراف فوجب أن لا تتداخل في النفوس كالخطأ ، ولأن جنايات العمد أغلظ من الخطأ ، فلم يجز أن يكون أضعف من موجب الخطأ ، ولأن حقوق الآدميين إذا أمكن استيفاؤها لم تتداخل كالديون ، ولأن القصاص موضوع لإحياء النفوس .
كما قال تعالى ولكم في القصاص حياة فلو قتل الواحد بالجماعة لكان فيه إغراء بقتل الجماعة ، لأنه لا يلتزم بعد قتل الأول شيئا في جميع من قتل ، وليسارع الناس بعد ابتدائهم بالقتل إلى قتل النفوس ولم يكفوا ، ولم يصر القصاص حياة ، وهذا استدلال وانفصال عن جمعه بين قتل الجماعة بالواحد ، وقتل الواحد بالجماعة .
[ ص: 120 ] وأما الجواب عن قياسهم على قتل العبد والمحارب ، فإن جعل الأصل فيه العبد .
فالجواب عنه أنه لما تداخلت جنايات خطئه تداخلت جنايات عمده ، وإن جعل الأصل قتل المحارب فقد اختلف أصحابنا في تداخل جنايته فذهب ابن سريج إلى أنها لا تتداخل ، ويتحتم قتله بالأول ، ويؤخذ من ماله ديات الباقين ، وذهب جمهورهم إلى تداخلها ، لأنها صارت بانحتام قتله من حقوق الله تعالى ، وحقوقه تتداخل وإذا قيل في غير الحرابة لم ينحتم قتله ، فكان من حقوق الآدميين وحقوقهم لا تتداخل وكذا الجواب عن قياسهم على الحدود وقياسهم على غرماء المفلس .
فالجواب عنه أنه لم يبق لغرماء المفلس عين يستوفون حقوقهم منها ، فاستهموا في الموجود منها . ولو كان القاتل مفلسا لكان الأولياء معه بمثابتهم وإذا فارق المفلس يساره وجد الأولياء سبيلا إلى استيفاء حقوقهم ، فافترق الجمعان .