[ ص: 48 ] فصل : وأما القسم الثاني : وهو فهذا مما يجوز أن تتقدم فيه سراية الجرح على سراية السم ، ويجوز أن يتقدم سراية السم على سراية الجرح ، وليس أحدهما أغلب من الآخر ، فاستويا وصار القتل منسوبا إليهما ، فيعتبر حال التداوي بالسم ، فلا يخلو مستعمله من أن يكون عالما بحاله أو غير عالم ، فإن لم يعلم بحاله فاستعماله عمد شبه الخطأ ، لأنه عامد في الفعل خاطئ في النفس ، فيسقط القود عن الجارح : لأنه قد شارك في النفس خاطئا ، ولا قود على العامد إذا شاركه الخاطئ . القاتل الذي لا يوجي في الحال ويقتل في ثاني حال
وسواء كان المداوي هو المجروح أو غيره ، وإن علم بأنه سم قاتل ، فعلى ضربين :
أحدهما : أن يكون المداوي به طبيب غير المجروح فيجب عليهما القود ، فإن عفا عنه إلى الدية كانت بينهما نصفين : لأنه مات من جنايتهما بفعل تعمداه فصارا كالجارحين .
والضرب الثاني : أن يكون المجروح : هو المداوي لنفسه ففي وجوب القود على الجارح قولان :
أحدهما : يقاد منه في النفس لمشاركته فيها للعامد ، ولا يكون سقوطه عن الشريك موجبا لسقوطه عنه كشريك الأب في قتل الابن .
والقول الثاني : أنه لا قود عليه في النفس ، وعليه نصف الدية ، وعليه الكفارة : لأنه قد صار أحد القاتلين ، فإن أراد الولي أن يقتص منه من الجرح دون النفس نظر في الجرح فإن لم يكن فيه قصاص إذا انفرد كالجائفة فلا قصاص عليه لانفراد حكمه بسقوط القود في النفس .
ففي وجوب القصاص منه مع سقوطه في النفس وجهان : وإن كان الجرح مما يوجب القصاص إذا انفرد كالموضحة أو كقطع يد أو رجل
أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج : لا يجب ، وتسقط بسقوطه في النفس : لأنه إذا انفرد عنها روعي فيه الاندمال ، ولم يندمل .
والوجه الثاني : يجب فيه القصاص لأنه قد انتهت غايته بالموت فصار كالمندمل فعلى هذا لا يخلو حال الجرح المستحق فيه القصاص من ثلاثة أقسام :
أحدهما : أن يكون دية مثله نصف دية النفس كإحدى اليدين أو الرجلين ، فقد استوفى الولي بالاقتصاص منه جميع حقه : لأنه استحق نصف دية النفس ، وقد استوفاه بقطع إحدى اليدين .
[ ص: 49 ] والقسم الثاني : أن تكون ديته أقل من نصف دية النفس كالإصبع فيها عشر دية النفس ، فإذا اقتص منها استوفى بها خمس حقه من نصف الدية ، فيرجع عليه بالباقي منها ، وهو أربعة أخماس النصف ليستكمل بها جميع النصف .
والقسم الثالث : أن يكون ديته أكثر من نصف الدية ففيه وجهان :
أحدهما : وهو قياس قول أبي سعيد الإصطخري يقتص منه ، وإن زاد على دية النفس لانفراده بالحاكم عن سقوط القود في النفس كما لو انفرد بالاندمال .
والوجه الثاني : وهو عندي أشبه ، أنه لا يجوز أن يقتص بنصف الدية من الأعضاء إلا ما قابلها : لأنها تؤخذ بدلا منها ، فعلى هذا تكون على ضربين :
أحدهما : ما أمكن تبعيضه ، وأن تستوفى منه بقدر حقه كاليدين إذا قطعهما ففيهما الدية ، ويمكن أن تؤخذ إحداهما ، وفيهما نصف الدية فهاهنا يجب القصاص عليه في إحدى اليدين ، ويسقط في الأخرى : لأنه قد استوفى بها نصف الدية ، فلم يجز أن يستزيد عليها فوق حقه ، ويكون مخيرا بين الاقتصاص من اليمنى أو اليسرى ، ولا خيار له في غير هذا الموضع .
والضرب الثاني : ما لم يمكن تبعيضه كجدع الأنف ، وقطع الذكر ، فيسقط القود فيه لما تضمنه من الزيادة على القدر المستحق من الدية .