فصل : وأما القسم الثاني ، وهو أن يكونا جاهلين بالتحريم : إما لجهلهما ببقاء العدة ، وإما لجهلهما بالتحريم مع علمهما ببقاء العدة فهما سواء ولا حد عليهما ، لأن في ويتعلق بهذا الواطئ أحكامه في النكاح فيستحق فيه المهر ويلحق به النسب وتجب به العدة وتقطع به عدة الأول ما لم يفرق بينها وبين الثاني ، لأنها قد صارت بوطء الشبهة فراشا له ولا يجوز أن تكون فراشا له ومعتدة من غيره ، لأن العدة تنافي الفراش ، فإذا فرق بينهما صارت بالتفرقة داخلة في عدة الأول لارتفاع الفراش بها فيبني على ما مضى منها ، ثم تعتد من إصابة الثاني ويجوز إذا كملت عدة الأول أن يتزوجها الثاني ، وإن كانت في عدته ولا تحرم عليه ، وحكي عن الجهل بالتحريم شبهة تدرؤها الحدود عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنها قد حرمت على الثاني أبدا إذا كان جاهلا بالتحريم ، ولا تحرم عليه مع العلم بالتحريم ، وهو مذهب مالك ، وذكره الشافعي في القديم فاختلف أصحابنا هل قاله حكاية عن مالك ، أو مذهبا لنفسه . فقال البصريون حكاه عن غيره . [ ص: 288 ] وقال البغداديون : قاله مذهبا لنفسه ومن قال بهذا اختلفوا ، هل يكون تفريق الحاكم بينهما شرطا في هذا التحريم المؤبد على وجهين : أحدهما : لا يكون شرطا ، وقد حرمت أبدا سواء افترقا بأنفسهما أو فرق الحاكم بينهما ؛ لأن أسباب التحريم لا تقف على الحكم كالنسب والرضاع . والوجه الثاني : أن الحكم شرط في تأبيد هذا الحكم كاللعان ، واحتج من ذهب إلى هذا القول بأمرين : هما دليل ، وفرق بين العالم والجاهل : أحدهما : أن العالم بالتحريم مزجور فاستغنى عن الزجر بتأبيد تحريمها عليه والجاهل به غير مزجور بالحد فزجر بتأبيد التحريم . والثاني : أن الجاهل بالتحريم مفسد للنسب لاشتراكهما فيه فزجر على إفساده بتأبيد التحريم ، والعالم به غير مفسد للنسب ؛ لأنه غير مشارك فيه فلم يزجر بتحريمها عليه لعدم إفساده ، فهذا دليل ما قاله عمر ، ومذهب من تابعه عليه . وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : لا يحرم عليه مع الجهل والعلم جميعا ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وبه قال الشافعي في الجديد ، وهو القياس الصحيح من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مع العلم أغلظ مأثما ، ثم لا يحرم عليه فكانت مع ارتفاع المأثم بالجهل أولى أن لا يحرم . والثاني : أن الوطء لا يقتضي تحريم الموطوءة على الواطئ ، وإنما يقتضي تحريم غيرها على الواطئ وتحريمها على غير الواطئ . والثالث : أن حلال الوطء وحرامه من نكاح وزنا لا يوجب تأبيد تحريم الموطوءة على الواطئ ، وهذا الوطء ملحق بأحدهما وليس للفرقين المتقدمين وجه : لأن الزجر لا يكون بالتحريم فبطل به الفرق الأول ، والجاهل غير مفسد للنسب ؛ لأنه يستضيف ولده إلى نفسه ، والعالم هو المفسد ؛ لأنه قد أضاف ولده إلى غيره فبطل به الفرق الثاني .