فصل : فأما فجائز ، والعمل به سنة ، وأما أن تسبيح الرجل في صلاته تنبيها لإمامه وإعلاما له بسهوه فقال : سبحان الله قاصدا به الإذن ، أو سلم عليه فقال : سبحان الله قاصدا الرد عليه ، أو أومأ إليه بيده ، أو رأسه ، أو رأى ضريرا يتردى في بئر ، فقال : سبحان الله : تنبيها له ليرجع عن جهته ، فصلاته في كل ذلك جائزة ، ولا سجود للسهو عليه يسبح قاصدا لرد جواب كرجل استأذنه في الدخول
وقال أبو حنيفة : متى قصد في صلاته خطاب آدمي بإشارة ، أو تسبيح بطلت صلاته إلا أن يسبح لسهو إمامه تعلقا بما روي عن ابن مسعود أنه قال : الحبشة فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه ، فلم يرد ، فأخذني ما قرب وما بعد ، فلما فرغ من صلاته قال : إن الله ، عز وجل ، يحدث من أمره ما شاء وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فلو جاز رد السلام بتسبيح ، أو إشارة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع حرصه على الخير وطلب الفضل ، قال : ولأنه قدمت من بطلت صلاته ، كقوله لرجل اسمه يحيى : " نطق في صلاته بقرآن وقصد به إفهام آدمي على سبيل الجواب ، يايحيى خذ الكتاب بقوة " . أو قال : " يوسف أعرض عن هذا " . فلأن تبطل صلاته بالتسبيح إذا قصد به الإفهام ، أو التنبيه أولى ، وهذا خطأ
ودليلنا رواية سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " . فكان على عمومه في كل ما نابه في صلاته من سهو إمام أو رد سلام ، أو تنبيه ، أو إفهام من نابه شيء في صلاته فليسبح
وروى زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال : الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 165 ] ومعهم صهيب وهو يصلي في مسجد قباء فقلت : كيف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : رد عليهم السلام وأشار إليهم بيده " " دخلت
وروي أسماء أنها قالت انكسفت الشمس فدخلت على عائشة ، رضي الله عنها ، وهي تصلي ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها فسألتها عن الخبر ، فقالت : سبحان الله ، وأشارت إلى السماء فقلت : آية . فأشارت برأسها نعم ، فلو كانت الإشارة والتسبيح للإفهام والتنبيه تبطل الصلاة لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ولنهى عن عائشة ، رضي الله عنها ، عنه ، ولأن الإفهام بقول سبحان الله لو أبطل الصلاة لوجب أن يبطلها إذا قصد به إفهام إمامه لسهوه في صلاته ، وفي جواز ذلك دليل على جوازه بكل حال ، فأما تعلقهم بحديث ابن مسعود فلا حجة فيه ، لأن الرد في الصلاة مباح وليس بواجب ، وأما ما ذكروا من قوله : يايحيى خذ الكتاب ، وقوله : يوسف أعرض عن هذا فهو عندنا ينقسم قسمين :
أحدهما : أن يقصد به قراءة القرآن فلا تبطل صلاته وإن تضمن الإفهام ، والتنبيه ، والتسبيح سواء ، وعلى هذا المعنى روى حكيم بن سعد أن رجلا من الخوارج نادى علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه وهو في صلاة الصبح لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين . قال فأجابه علي - عليه السلام - وهو في الصلاة فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ثم رجع إلى قراءته
والثاني : أن يقصد به الإفهام ، والتنبيه لا القراءة فتبطل صلاته
والفرق بينه وبين التسبيح : أن هذا خطاب آدمي صريح ، والتسبيح إشارة بالمعنى والتنبيه فافترق حكمها في إبطال الصلاة