مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإذا رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح وفرغ من قوله : " سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد " . قال وهو قائم : " اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك وإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت " . والجلسة فيها كالجلسة في الرابعة في غيرها . ( قال ) : حدثنا إبراهيم قال : حدثنا محمد بن عمرو الغزي قال : حدثنا أبو نعيم عن أبي جعفر الداري ، عن الربيع بن أنس ، عن أنس بن مالك قال : واحتج في ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الدنيا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم القنوت في الصبح أنه قنت قبل قتل أهل بئر معونة ، ثم قنت بعد قتلهم في الصلاة سواها ، ثم ترك القنوت في سواها ، وقنت عمر وعلي بعد الركعة الآخرة "
قال الماوردي : أما : فهو ، الدعاء بالخير والشر يقال : قنت فلان على فلان إذا دعا عليه ، وقنت له إذا دعا له بخير ، لكن صار القنوت بالعرف مستعملا في دعاء [ ص: 151 ] مخصوص ، وهو عندنا سنة في صلاة الصبح أبدا ، وفي الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان القنوت في اللغة
وقال أبو حنيفة : ليس بسنة في الصبح وهو سنة في الوتر أبدا ، والكلام في الوتر يأتي من بعد ، وإنما يختص هذا الموضع بالقنوت في الصبح وبما ذهبنا إليه من كونه سنة في الصبح ، وبه قال أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، رضي الله عنهم ، وهو مذهب الأوزاعي ، ومالك ، واستدل أبو حنيفة بما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا ثم تركه
وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال القنوت في الصبح بدعة ، ولأنها صلاة مفروضة فوجب أن لا يقنت فيها كسائر الفرائض
قال : ولأنه لو كان في الصبح مسنونا لكان نقله متواترا ، ولم يخف على ابن مسعود ، وابن عمر لعموم البلوى به
ودليلنا رواية الزهري عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، والمستضعفين بمكة ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه من الركعة الثانية من صلاة الصبح قال : " اللهم أنج
وروى الحارث بن خفاف عن أبيه خفاف بن إيماء قال : غفار غفر الله لها ، وأسلم سالمها الله ، وعصية عصت الله ورسوله ، اللهم العن بني لحيان ورعلا ، وذكوان ، ثم وقع ساجدا فإن قيل : إنما كان هذا شهرا حين قيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفع رأسه فقال : بئر معونة وكانوا سبعين رجلا خرجوا في جواز ملاعب الأسنة [ ص: 152 ] فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس شهرا حتى نزل عليه ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون فكف ، قيل : إنما كف بعد شهر عن ذكر أسمائهم ، وعن القنوت فيما سوى الصبح من الأربع الباقية . روى الربيع بن أنس عن أبيه أنس بن مالك ولأنه دعاء مسنون في صلاة غير مفروضة فوجب أن يكون مسنونا في صلاة مفروضة كقوله : " اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات " ، ولأنها صلاة نهار يجهر فيها بالقراءة فوجب أن تختص بذكر لا يشاركها فيه غيرها كالجمعة في اختصاصها بالخطبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح إلى أن توفاه الله سبحانه ،
فأما حديث ابن عباس فقد روينا عنه أنه كان يقنت في الصبح ، ولذلك ذهب إلى الصلاة الوسطى هي الصبح ، لأن القنوت فيها والله تعالى يقول : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين [ البقرة : 238 ] . وإنما قول ابن عمر : " القنوت بدعة " . فقد قال ابن المسيب : كان ابن عمر يقنت مع أبيه ، ولكن نسيه ، وأما قياسه على سائر الصلوات فلا يصح ، لأن الصبح مخالفة لها لما يختص من تقدم الأذان لها والتثويب في أذانها وكذلك القنوت ، وأما قولهم لو كان القنوت في الصبح سنة لكان نقله متواترا لعموم البلوى به فيرجع عليهم في الوتر ، ثم يقال : إنما يجب أن يكون بيانه مستفيضا ، ولا يلزم أن يكون نقله متواترا ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم حج في خلق كثير فبين لهم الحج بيانا مستفيضا ولم ينقله من الصحابة إلا اثنا عشر نفسا اختلفوا فيه خمسة منهم أنه صلى الله عليه وسلم أفرد ، وأربعة أنه تمتع صلى الله عليه وسلم ، وثلاثة أنه صلى الله عليه وسلم قرن