[ ص: 294 ] باب الخلاف في إمساك الأواخر
قال الشافعي رحمه الله : " واحتججت على من يبطل الأواخر بقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن الديلمي وعنده أختان : وبما قال اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى لنوفل بن معاوية وتخييره غيلان ، فلو كان الأواخر حراما ما خيره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلت له : أحسن حالة أن يعقدوه بشهادة أهل الأوثان ، قلت : ويروى أنهم كانوا ينكحون في العدة وبغير شهود ، قال : أجل ، قلت : وهذا كله فاسد في الإسلام ، قال : أجل ، قلت : فلما لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقد ، كان عفوا لفوته ، كما حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بعفو الربا إذا فات بقبضه ورد ما بقي : لأن الإسلام أدركه ، كما رد ما جاوز أربعا : لأن الإسلام أدركهن معه ، والعقد كلها لو ابتدأت في الإسلام فاسدة ، فكيف نظرت إلى فسادها مرة ولم تنظر أخرى ، فرجع بعض أصحابهم ، وقال محمد بن الحسن : ما علمت أحدا احتج بأحسن مما احتججت به ، ولقد خالفت أصحابي فيه منذ زمان ، وما ينبغي أن يدخل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم القياس " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : قد مضى ، وذكرنا أن فهو مخير بين إمساك الأوائل والأواخر ، بخلاف ما قاله المشرك إذا أسلم مع أكثر من أربع زوجات أبو حنيفة من إمساك الأوائل دون الأواخر : احتجاجا بما مضى ، فحكى الشافعي مناظرته لمحمد بن الحسن على ذلك ، فرجع إلى قول الشافعي ، وعدل عن قول صاحبيه أبي حنيفة وأبي يوسف ، واحتجاجه في ذلك ما قدمناه ، فلم يحتج إلى إعادته ، وبالله التوفيق .