فصل : فإذا ثبت وتقرر أن نكاح الحر للأمة معتبر بثلاثة شرائط ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=23949_33639نكاحه للمدبرة ، والمكاتبة ، وأم الولد ، ومن رق بعضها ، وإن قل لا يجوز إلا بوجود هذه الشرائط : لأن أحكام الرق على جميعهن جارية ، فجرت أحكام الرق على أولادهن ، وإذا ثبت اعتبار الشروط الثلاثة في نكاح كل من يجري عليه حكم الرق من أمة ، ومدبرة ، ومكاتبة ، وأم ولد ، وجب أن يوضع حكم كل شرط منها .
[ ص: 238 ] أما الشرط الأول : هو أن لا يكون تحته حرة ، فوجود الحرة تحته لا يخلو من ثلاثة أقسام :
أحدهما : أن يكون استمتاعه بها : لأنها كبيرة وهي حلال له : لأنه لم يطرأ عليها سبب من أسباب التحريم ، فلا يجوز مع وجودها أن ينكح أمة .
والقسم الثاني : أن يمكنه استمتاع بها لكبرها لكن قد طرأ عليها ما صار ممنوعا من إصابتها كالإحرام ، والطلاق الرجعي ، والظهار ، والعدة من إصابة غيره لها لشبهة ، فلا يجوز له مع كونها تحته على هذه الصفة أن ينكح أمة : لأن التحريم مقرون بسبب يزول بزوال سببه ، فصار كتحريمها في أيام الحيض .
والقسم الثالث : أن لا يمكنه الاستمتاع بها ، وإن كانت حلالا له ، وذلك لأحد أمرين :
إما لصغر ، وإما لرتق وإما لضر من مرض ، ففي جواز نكاحه للأمة قولان مع وجود هذه الحرة ففيه ووجهان :
أحدهما : لا يجوز : لأن تحته حرة .
والثاني : يجوز : لأنه يخاف العنت ، وعلى هذين الوجهين لو
nindex.php?page=treesubj&link=10995كان يملك أمة ، وليس تحته حرة ففي جواز نكاحه للأمة وجهان :
أحدهما : ينكحها تعليلا بأن ليس تحته حرة .
والوجه الثاني : لا ينكحها تعليلا : لأنه لا يخاف العنت .
وأما الشرط الثاني : وهو أن يكون عادما لصداق حرة ، ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يعتبر أقل صداق يكون لأقل حرة يؤخذ في مسلمة أو كتابية ، فعلى هذا يتعذر أن يستبيح الحر نكاح الأمة : لأن أقل الصداق عندنا قد يجوز أن يكون دانقا من فضة أو رغيفا من خبز ، وقل ما يعوز هذا أحد ، فإذا وجده ووجد منكوحة به حرم عليه نكاح الأمة ، وإن لم يجد أو وجده ، ولم يجد منكوحة به حل له نكاح الأمة .
والوجه الثاني : أننا نعتبر أقل صداق المثل لأي حرة كانت من مسلمة أو كتابية ، ولا يعتبر أقل ما يجوز أن يكون صداقا ، فعلى هذا لو وجد حرة بأقل من مهر مثلها مما يجوز أن يكون صداقا ، وهو واجد لذلك القدر حل له نكاح الأمة ، ولو وجد صداق المثل لحرة أو كتابية لم يحل له نكاح الأمة .
والوجه الثالث : أننا نعتبر أقل صداق المثل لحرة مسلمة ، فعلى هذا إن وجد صداق المثل لكتابية ، ولم يجد صداق المثل لمسلمة حل له نكاح الأمة : لقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات [ النساء : 25 ] فشرط إيمان الحرائر ، وعلى هذا الوجه لو كان تحته حرة كتابية حل له نكاح الأمة ، وعلى هذا الوجه لو وجد حرة
[ ص: 239 ] يتزوجها بأقل من صداق المثل وهو واجده حل له نكاح الأمة ، ولو وجد ثمن أمة وهو أقل من صداق حرة ، ففي جواز تزويجه للأمة وجهان :
أحدهما : يجوز لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم [ النساء : 25 ] .
والوجه الثاني : لا يجوز : لأنه مستغن عن استرقاق ولده .
وأما الشرط الثالث : وهو أن يخاف العنت ، وهو الزنا ، فسواء خافه ، وهو ممن يقدم عليه : لقلة عفافه ، أو كان ممن لا يقدم عليه : لتحرجه وعفافه في أن خوف العنت فيهما شرط في إباحة نكاح الأمة لهما ، فأما إذا خاف العنت من أمة بعينها أن يزني بها إن لم يتزوجها لقوة ميله إليها وحبه لها فليس له أن يتزوجها إذا كان واجدا للطول : لأننا نراعي عموم العنت لا خصوصه ، والله أعلم .
فَصْلٌ : فَإِذَا ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ نِكَاحَ الْحُرِّ لِلْأَمَةِ مُعْتَبَرٌ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=23949_33639نِكَاحُهُ لِلْمُدَبَّرَةِ ، وَالْمُكَاتِبَةِ ، وَأُمِّ الْوَلَدِ ، وَمِنْ رَقَّ بَعْضُهَا ، وَإِنْ قَلَّ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِوُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ : لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ عَلَى جَمِيعِهِنَّ جَارِيَةٌ ، فَجَرَتْ أَحْكَامُ الرِّقِّ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ ، وَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ فِي نِكَاحِ كُلِّ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ حَكَمُ الرِّقِّ مِنْ أَمَةٍ ، وَمُدَبَّرَةٍ ، وَمُكَاتِبَةٍ ، وَأُمِّ وَلَدٍ ، وَجَبَ أَنْ يُوضَعَ حُكْمُ كُلِّ شَرْطٍ مِنْهَا .
[ ص: 238 ] أَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ : هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ، فَوُجُودُ الْحُرَّةِ تَحْتَهُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا : لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ ، فَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهَا أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يُمْكِنَهُ اسْتِمْتَاعٌ بِهَا لِكِبَرِهَا لَكِنْ قَدْ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ إِصَابَتِهَا كَالْإِحْرَامِ ، وَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ ، وَالظِّهَارِ ، وَالْعِدَّةِ مِنْ إِصَابَةِ غَيْرِهِ لَهَا لِشُبْهَةٍ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ مَعَ كَوْنِهَا تَحْتَهُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً : لِأَنَّ التَّحْرِيمَ مَقْرُونٌ بِسَبَبٍ يَزُولُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ ، فَصَارَ كَتَحْرِيمِهَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ لَا يُمْكِنَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ ، وَذَلِكَ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ :
إِمَّا لِصِغَرٍ ، وَإِمَّا لِرَتْقٍ وَإِمَّا لِضُرٍّ مِنْ مَرَضٍ ، فَفِي جَوَازِ نِكَاحِهِ لِلْأَمَةِ قَوْلَانِ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْحُرَّةِ فَفِيهِ وَوَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : لَا يَجُوزُ : لِأَنَّ تَحْتَهُ حُرَّةً .
وَالثَّانِي : يَجُوزُ : لِأَنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ ، وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=10995كَانَ يَمْلِكُ أَمَةً ، وَلَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَفِي جَوَازِ نِكَاحِهِ لِلْأَمَةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يَنْكِحُهَا تَعْلِيلًا بِأَنْ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَنْكِحُهَا تَعْلِيلًا : لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْعَنَتَ .
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَادِمًا لِصَدَاقِ حُرَّةٍ ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يُعْتَبَرَ أَقَلُّ صَدَاقٍ يَكُونُ لِأَقَلِّ حُرَّةٍ يُؤْخَذُ فِي مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ ، فَعَلَى هَذَا يَتَعَذَّرُ أَنْ يَسْتَبِيحَ الْحُرُّ نِكَاحَ الْأَمَةِ : لِأَنَّ أَقَلَّ الصَّدَاقِ عِنْدَنَا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَانِقًا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ رَغِيفًا مِنْ خُبْزٍ ، وَقَلَّ مَا يَعُوزُ هَذَا أَحَدٌ ، فَإِذَا وَجَدَهُ وَوَجَدَ مَنْكُوحَةً بِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَوْ وَجَدَهُ ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْكُوحَةً بِهِ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّنَا نَعْتَبِرُ أَقَلَّ صَدَاقِ الْمِثْلِ لِأَيِّ حُرَّةٍ كَانَتْ مِنْ مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ صَدَاقًا ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا ، وَهُوَ وَاجِدٌ لِذَلِكَ الْقَدْرِ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَلَوْ وَجَدَ صَدَاقَ الْمِثْلِ لِحُرَّةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّنَا نَعْتَبِرُ أَقَلَّ صَدَاقِ الْمِثْلِ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ، فَعَلَى هَذَا إِنْ وَجَدَ صَدَاقُ الْمِثْلِ لِكِتَابِيَّةٍ ، وَلَمْ يَجِدْ صَدَاقُ الْمِثْلِ لِمُسْلِمَةٍ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ : لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ [ النِّسَاءِ : 25 ] فَشَرَطَ إِيمَانَ الْحَرَائِرِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ كِتَابِيَّةٌ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ وَجَدَ حُرَّةً
[ ص: 239 ] يَتَزَوَّجُهَا بِأَقَلِّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَهُوَ وَاجِدُهُ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ ، وَلَوْ وَجَدَ ثَمَنَ أَمَةٍ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ صَدَاقِ حُرَّةٍ ، فَفِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِ لِلْأَمَةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ النِّسَاءِ : 25 ] .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : لَا يَجُوزُ : لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنِ اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ .
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ : وَهُوَ أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ ، وَهُوَ الزِّنَا ، فَسَوَاءٌ خَافَهُ ، وَهُوَ مِمَّنْ يُقْدِمُ عَلَيْهِ : لِقِلَّةِ عَفَافِهِ ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ : لِتَحَرُّجِهِ وَعَفَافِهِ فِي أَنَّ خَوْفَ الْعَنَتِ فِيهِمَا شَرْطٌ فِي إِبَاحَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ لَهُمَا ، فَأَمَّا إِذَا خَافَ الْعَنَتَ مِنْ أَمَةٍ بِعَيْنِهَا أَنْ يَزْنِيَ بِهَا إِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لِقُوَّةِ مَيْلِهِ إِلَيْهَا وَحُبِّهِ لَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِذَا كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ : لِأَنَّنَا نُرَاعِي عُمُومَ الْعَنَتِ لَا خُصُوصَهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .