فصل : وأما القسم الثالث : وهم فهم ثلاثة أصناف : من له شبهة كتاب الصابئون ، والسامرية ، والمجوس .
فأما السامرة : فهم صنف اليهود الذين عبدوا العجل حين غاب عنهم موسى مدة عشرة أيام بعد الثلاثين ، واتبعوا السامري ، فرجع موسى إلى قومه ، فأنكر عليهم عبادة العجل ، وأمرهم بالتوبة ، وقتل أنفسهم فمنهم من قتل .
وأما الصابئون فهم صنف من النصارى ، وافقوهم على بعض دينهم وخالفوهم في بعضه ، وقد يسمى باسمهم ، ويضاف إليهم قوم يعبدون الكواكب ، ويعتقدون أنها صانعة مدبرة ، فنظر الشافعي في دين الصابئين والسامرة : فوجده مشتبها ، فعلق القول فيهم لاشتباه أمرهم ، فقال هاهنا : إنهم من اليهود والنصارى إلا أن يعلم أنهم يخالفوهم في أصل ما يحلون ويحرمون فيحرمون ، وقطع في موضع آخر أنهم منهم ، وتوقف في موضع آخر فيهم ، وليس ذلك لاختلاف قوله ، ولكن لا يخلو حالهم من ثلاثة أقسام : فقال إن وافقوا اليهود والنصارى في أصل معتقدهم ، ويخالفوهم في فروعه فيقر السامرة بموسى والتوراة ، ويقر الصابئون بعيسى والإنجيل ، فهؤلاء كاليهود والنصارى في قبول جزيتهم ، وأكل ذبائحهم ، ونكاح [ ص: 224 ] نسائهم : لأنهم إذا جمعهم أصل المعتقد لم يكن خلافهم في فروعه مؤثرا ، كما يختلف المسلمون - مع اتفاقهم على أصل الدين - في فروع لا توجب تباينهم ولا خروجهم عن الملة .
والقسم الثاني : أن يخالفوا اليهود والنصارى في أصول معتقدهم ، وأن يوافقوهم في فروعه ، ويكذب السامرة بموسى والتوراة ، ويكذب الصابئون بعيسى والإنجيل ، فهؤلاء كعبدة الأوثان لا يقبل لهم جزية ، ولا يؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح منهم امرأة : لأنهم لم يكونوا على حق فيراعى فيهم ، ولا تمسكوا بكتاب فيحفظ عليهم حرمته فيؤخذوا بالإسلام أو بالسيف ، وحكي أن القاهر استفتى أبا سعيد الإصطخري فيهم فأفتاه أن يقتلهم : لأنهم يقولون : إن الفلك هو حي ناطق وإن الكواكب السبعة آلهة مدبرة ، فهم بقتلهم ، فبذلوا له مالا ، فكف عنهم .
والقسم الثالث : أن يشك فيهم ، فلا يعلم هل وافقوا اليهود والنصارى في الأصول دون الفروع ، أو في الفروع دون الأصول ؟ فهؤلاء كمن شك في دخوله في اليهودية والنصرانية هل كان قبل التبديل أو بعده فيقرون بالجزية حقنا لدمائهم ، ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم .