فصل : فإذا تقرر أن اليهود والنصارى أهل كتاب يحل نكاح حرائرهم فهم ضربان : بنو إسرائيل ، وغير بني إسرائيل .
فأما بنو إسرائيل : وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، فجميع بنيه الذين دخلوا في دين موسى حين دعاهم ، دخل منهم في دين عيسى من دخل منهم ، فقد كانوا على دين حق دخلوا فيه قبل تبديله ، فيجوز إقرارهم بالجزية ، وأكل ذبائحهم ونكاح حرائرهم .
وأما غير بني إسرائيل ممن دخل في اليهودية من النصرانية من العرب والعجم والترك ، فهم ثلاثة أصناف :
صنف دخلوا فيه قبل التبديل كالروم حين دخلوا النصرانية ، فهؤلاء كبني إسرائيل في إقرارهم بالجزية وأكل ذبائحهم ونكاح حرائرهم : لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر الروم كتابا ، [ ص: 223 ] قال فيه : قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله [ آل عمران : 64 ] الآية ، فجعلهم أهل الكتاب : ولأن الحرمة للدين والكتاب لا للنسب : فلذلك ما استوى حكم بني إسرائيل وغيرهم فيه .
والصنف الثاني : أن يكونوا قد دخلوا فيه بعد التبديل ، فهؤلاء لم يكونوا على حق ، ولا تمسكوا بكتاب صحيح ، فصاروا إن لم يكن لهم حرمة كعبدة الأوثان في أن لا تقبل لهم جزية ، ولا يؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح منهم امرأة .
والصنف الثالث : أن يشك فيهم هل دخلوا فيه قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب ، كوج وفهر وتغلب ، فهؤلاء شك فيهم عمر فشاور فيهم الصحابة ، فاتفقوا على إقرارهم بالجزية حقنا لدمائهم : وأن لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم لأن الدماء محقونة ، فلا تباح بالشك والفروج محظورة فلا تستباح بالشك . فهذا حكم أهل الكتاب من اليهود والنصارى .