[ ص: 547 ] باب ميسم الصدقات
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : ينبغي وميسم الغنم ألطف من ميسم الإبل والبقر ، ويجعل الميسم مكتوبا لله ؛ لأن مالكها أداها لله تعالى فكتب لله ، وميسم الجزية مخالف لميسم الصدقة : لأنها أديت صغارا لا أجر لصاحبها فيها ، وكذلك بلغنا عن عمال لوالي الصدقات أن يسم كل ما أخذ منها من بقر أو إبل في أفخاذها ويسم الغنم في أصول آذانها ، عمر - رضي الله عنه - أنهم كانوا يسمون وقال أسلم لعمر إن في الظهر ناقة عمياء ، فقال عمر - رضي الله عنه - " ندفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها يقطرونها بالإبل . قال قلت كيف تأكل من الأرض ؟ قال عمر أمن نعم الجزية أو من نعم الصدقة ؟ قلت لا ، بل من نعم الجزية . فقال عمر أردتم والله أكلها ، فقلت إن عليها ميسم الجزية ، قال فأمر بها عمر فنحرت ، قال فكانت عنده صحاف تسع ، فلا تكون فاكهة ولا طريفة إلا وجعل منها في تلك الصحاف ، فيبعث بها إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون الذي يبعث به إلى حفصة - رضي الله عنها - من آخر ذلك ، فإن كان فيه نقصان كان في حظها ، قال فجعل في تلك الصحاف من لحم تلك الجزور فبعث به إلى أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر بما بقي من اللحم فصنع فدعا عليه المهاجرين والأنصار . ( قال ) ولا أعلم في الميسم علة إلا أن يكون ما أخذ من الصدقة معلوما ، فلا يشتريه الذي أعطاه : لأنه خرج منه لله كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر - رضي الله عنه - في فرس حمل عليه في سبيل الله فرآه يباع أن لا يشتريه ، وكما ترك المهاجرون نزول منازلهم بمكة لأنهم تركوها لله تعالى " .
قال الماوردي : وهذا كما قال الميسم عندنا مستحب في مواشي الزكاة والجزية ، وحكي عن أبي حنيفة كراهيته لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تعذيب الحيوان ، ودليلنا رواية أنس . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسم إبل الصدقة
وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى العباس وهو يسم إبله في وجوهها فقال : يا عباس ، لا تسم في الوجه ، فقال : العباس ، والله لا وسمتها بعد هذا إلا في الجاعرتين .
وروى ابن عيينة عن عاصم بن مسعد بن نقادة عن أبيه عن جده نقادة الأسدي أنه قال : [ ص: 548 ] يا رسول الله ، إني رجل مغفل فأين أسم ؟ قال : في موضع الجرم من السالفة ، فقال : يا رسول الله ، اطلب لي طلبة ، قال : ابغني حلبانة ركبانة غير ألا تولد ذات ولد عن ولدها .
المغفل : صاحب الإبل الغفل التي لا سمة عليها ، والجرم : الزمام .
والسالفة : مقدم صفحة العنق ، والحلبانة : ذات لبن يحلب ، والركبانة : ذات ظهر يركب . وروى زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب : إن في الظهر ناقة عمياء ، فقال عمر ادفعها إلى أهل بيت ينتفعون بها يقطرونها بالإبل ، قلت : فكيف تأكل من الأرض ، قال عمر : من نعم الجزية أم من نعم الصدقة ؟ فقلت : الإبل هي من نعم الجزية ، فقال : عمر أردتم والله أكلها ، فقلت : إن عليها وسم الجزية ، قال : فأمر بها فنحرت . . . الحديث فدل على أن الميسم فعل الأئمة وإجماع الصحابة ، ولأن به تمتاز الأموال مع تميز مستحقها ، وليكون إذا ضلت سببا لردها ، فإذا ثبت جواز الوسم ، فالكلام فيه يشتمل على فصلين :
أحدهما : أن يكون الميسم منها .
والثاني : فالذي يكتب عليه .
فأما مكانه فهو كل موضع صلب من البدن وقل شعره ، فإن كان في الإبل والبقر فعلى أفخاذها ، وإن كان في الغنم فعلى أصول آذانها ويكون ميسم الغنم ألطف لأنها ضعيفة لا تصبر من الألم على ما يصبر عليه غيرها . فأما ما يكتب فإن كانت من نعم الصدقة كان بالخيار بين ثلاثة أسماء ، إما أن يكتب عليها صدقة ، أو طهرة ، أو لله ، وهذا أحبها إلى الشافعي تبركا بذكر الله تعالى واقتداء بالسلف ، وإن كانت من الجزية كان بالخيار بين أمرين : إما أن يكتب جزية ، أو يكتب صغارا ، وهذا اجتهاد الشافعي اتباعا لقوله تعالى : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [ التوبة : 29 ] ، فأما تمييزها بجدع الأنوف وقطع الآذان فمكروه لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن المثلة ، والله أعلم .