مسألة : قال الشافعي : " أما وأما أهل الصدقة الأخرى فهو مقسوم لهم صدقتهم ، فلو كثرت لم يدخل عليهم غيرهم وواحد منهم يستحقها ، فكما كانوا لا يدخل عليهم غيرهم ، فكذلك لا يدخلون على غيرهم ما كان من غيرهم من يستحق منها شيئا " . أهل الفيء فلا يدخلون على أهل الصدقة ،
قال الماوردي : وهذا كما قال وهي جملة تشتمل على فصلين :
[ ص: 528 ] أحدهما : . تمييز أهل الصدقة عن أهل الفيء
والثاني : تمييز أهل الصدقات بعضهم عن بعض .
فأما تمييز أهل الصدقة عن أهل الفيء فقد ذكرناه وقلنا لمن قال : الفيء لأهله لا يجوز أن يأخذ منه أهل الصدقات ، وأما الصدقة لأهلها لا يجوز أن يأخذ منها أهل الفيء ، وهو قول أهل الحجاز وإن خالف فيه أهل العراق بعد مضي الكلام فيه .
وأما تمييز أهل الصدقات فهو معتبر بحال معطيها ، فإن كان رب المال هو المعطي تميزوا بالجوار ، فإذا أعطى زكاة ماله لأهلها من جيرانه ، فإن اكتفوا بها لم يجز أن يأخذوا من زكاة غيرهما ، وإن لم يكتفوا جاز أن يأخذوا من زكاة أخرى : لأن أرباب الأموال قد يتجاورون ، فيكون في جيران جميعهم أهلا لصدقاتهم كلهم ، فإن كان العامل هو المعطي فأهل عمله أهل الصدقات التي يجبيها ، فإذا فرقها فيهم لم يجز أن يأخذوا من غيرها من الصدقات ، سواء اكتفوا بما قد أخذوا من الصدقات أم لا : لأنه لا حق لهم في صدقة ليسوا من أهلها وهو معنى قول الشافعي : " فكما لا يدخلون على غيرهم ، فكذلك لا يدخل عليهم غيرهم " . ودل الشافعي بهذا على أن تعليلا بأنهم لما لم يدخلوا على غيرهم في صدقة أخرى لم يدخل عليهم غيرهم في الفاضل من صدقات بعضهم ، وهذا تعليل صحيح . الصدقة إذا فضلت عن كفاية بعضهم فاحتاج إليها الباقون أنها لا تنقل عنهم ؛
فإن قيل : فما الفرق بين ما يعطيه العامل وبين ما يعطيه رب المال ؟
قيل : الفرق بينهما أن رب المال يعطي بعض الصدقات ، فجاز أن يعطي الآخذ من صدقة أخرى ، والعامل يعطي جميع الصدقات فلم يجز أن يعطي الآخذ من صدقة أخرى ، والله أعلم .