فصل : فإذا ثبت فلا يخلو إما أن يكون منشئا للسفر ، أو مجتازا فيه ، فإن كان منشئا لسفره لم يجز أن يعطى إلا مع الفقر ، وهو بالخيار بين أن يأخذ من سهم الفقراء والمساكين ومن سهم ابن السبيل ، وإن كان مجتازا في سفره جاز أن يأخذ مع العدم في سفره وإن كان غنيا في بلده ، ولم يجز أن يأخذ إلا من سهم بني السبيل ولا يأخذ من سهم الفقراء والمساكين لمراعاة الجوار في الفقر وليس المجتاز جارا ، ثم يعطى عند اتساع المال بحسب مسافة سفره ، فإن أراد العود أعطي نفقة ذهابه وعوده . ونفقة ثلاثة أيام هي مقام المسافر في بلاد سفره ، وإن لم يرد العود أعطي نفقة الذهاب وحده ولم يعط نفقة ثلاثة أيام لانتهاء سفره بالقدوم ، فإن قصر بعد المسافة في نفقته وضيق على نفسه حتى بقيت معه بقية بعد انتهاء سفره استرجعت منه . من يجوز إعطاؤه من بني السبيل ،
والفرق بينه وبين الغازي حيث لم تسترجع منه بقية نفقته أن الغازي كالمعاوض على غزوه عناء ؛ فلم يلزمه رد الباقي لاستكمال العمل ، والمسافر معان على سفره فلزمه رد ما زاد على معونته ، فإن أخذ ابن السبيل نفقة سفره ثم أفاد قدر نفقته استرجع منه ما أخذ ، ولو أخذ الفقير ثم أفاد ما زال به فقره لم يسترجع منه ما أخذه .
والفرق بينهما أن ابن السبيل يعطى لأمر منتظر فاعتبرت حاله فيما بعد . والفقير يعطى للحال التي هو فيها فلم تعتبر حاله من بعده ، ولو أن ابن السبيل أخذ نفقة سفره إلى غاية [ ص: 515 ] قدرها مائة فرسخ فسافر شطر المسافة ، ثم قطع سفره ، نظرنا في نفقته ، فإن كان أنفق في شطر المسافة جميع نفقته نظر ، فإن كان قد فعل ذلك لغلاء سعر ، أو زيادة مؤنة لم يسترجع منه ، وإن كان لسرف في شهوة وإكثار استرجعت منه نفقة الباقي من سفره كما لو لم يسافر وأنفق في ذلك في مقامه استرجع منه جميعا : لأنه أخذها ليستقبل بها ما لم يفعله ، والله أعلم بالصواب .