فصل : وأما سموا بذلك لأنهم بملازمة سبيل السفر قد صاروا كأبنائه ، وهم ضربان : منشئ سفر ، ومجتاز فيه ، وكلا الفريقين يعتبر فيهم الحاجة في سفرهم ، ولا يدفع إليهم مع عدم الحاجة إلا أن الناشئ لسفره لا يدفع إليه مع الفقر ، والمجتاز يجوز أن يدفع إليه مع الغنى إذا كان في سفره معدما . ثم اختلف أصحابنا فيهم على وجهين : بنو السبيل فهم المسافرون ؛
أحدهما : أنه لبني السبيل من جميع الناس .
والوجه الثاني : أنه لبني السبيل من المجاهدين خاصة ، فعلى الوجه الأول أنه لبني السبيل من جميع الناس يتعلق عليه الأحكام الثلاثة التي ذكرناها في المساكين :
أحدها : أنه يجوز أن يختص به بعض المساكين دون جميعهم .
والحكم الثاني : أنه يجوز أن يجتهد الإمام برأيه في التسوية والتفضيل .
والحكم الثالث : أنه يجوز أن يجمع لهم بين سهمهم من الخمس وبين سهمهم من الزكاة .
وعلى الوجه الثاني أنه يخص به بنو السبيل من المجاهدين ، فعلى هذا يتعلق عليه الأحكام الثلاثة :
أحدها : أنه يجب أن يفرق في جميعهم ولا يخص به بعضهم : فعلى مذهب الشافعي يفرق في بني السبيل في الأقاليم كلها ، وعلى مذهب أبي إسحاق المروزي يفرق في بني السبيل في إقليم الثغر المغنوم فيه .
والحكم الثاني : أنه يسوى بين جميعهم فيه تقسيطا على مسافة أسفارهم ، فيكون تسوية بينهم في الباطن وإن تفاضلوا في الظاهر ، ومن هذا الوجه باينوا المساكين الذين يسوى بينهم في الظاهر والباطن .
والحكم الثالث : أنه لا يجمع لهم بين سهم من الخمس وبين سهم من الزكاة . وتميز بنو السبيل في الخمس عن بني السبيل في الزكاة ؛ فعلى هذا لو أن شخصا جمع بين [ ص: 440 ] المسكنة وبين كونه ابن السبيل أعطى بأي السببين شاء ، ولا يكون أحدهما أخص به من الآخر ولا يجمع له بين الأمرين ، والله أعلم .