فصل : وإذا تقرر ما مهدناه من فسنذكر من تفصيلها ما يكون مثالا لنظائره ، فمن ذلك الحمى ، فهي يوم أو يومان ، أو ثلاثة أيام غير مخوف ؛ لأنها قد تكون من تعب الإغماء وظهور الحمى وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : أصول الأمراض وإن منكم إلا واردها [ مريم : 71 ] إنها الحمى .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، فإن استمرت بصاحبها فهي مخوفة ؛ لأنها تدفن القوة التي هي قوام الحياة ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الفيح الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء الحمى دابر الموت وهي هجرة الله تعالى في أرضه ، يحبس عبده به إذا شاء فيرسله إذا شاء . وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : حمى يوم كفارة سنة وقد قيل إنه يضرب بها عروق البدن كلها وهي ثلاثمائة وستون عرقا ، فجعل كل عرق لكل يوم من أيام السنة التي هي ثلاثمائة وستون يوما ، فإن صارت الحمى عند استمرارها رفعا فهي غير مخوفة ؛ لأن ما يحدث من القوة في أيام الاستراحة يكون خلفا مما ذهب بها في يوم النوبة فصارت القوة محفوظة فزال الخوف .
فأما إذا اقترن بما لا يكون مخوفا من حمى يوم أو يومين ببرسام ، أو ذات الجنب ، أو وجع الخاصرة ، أو القولنج ، فقد صار مخوفا .
فإن قيل : هذه الأمراض بانفرادها مخوفة فكيف جعلها الشافعي مع حمى يوم أو يومين مخوفة ؟ فلأصحابنا عنه جوابان :
أحدهما : أنه أراد من هذه الأمراض ما كان منها لا يكون بانفراده مخوفا ، فإذا اقترن بحمى يوم أو يومين صار مخوفا .
والجواب الثاني : أن من حمى حمى يوم فهو كالصحيح ولا يكون مخوفا عليه إلا أن تحدث به هذه الأمراض التي يصير حدوثها بالصحيح مخوفا .
وهكذا حمى الربع إذا اقترن بها هذه الأمراض صارت مخوفة ، فأما الرعاف ، فإن قل ولم [ ص: 322 ] يستمر فهو غير مخوف ؛ لأنه قد يكون من غلبة الدم زيادته فبطلت من منافذ الجسد ما يخرج منه ، وإن كثر واستمر فهو مخوف ؛ لأنه قد ينزف دمه والدم هو قوام الروح ومادة الحياة .