مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ( ولو ) جاز ذلك " . أوصى بخدمة عبده ، أو بغلة داره ، أو بثمر بستانه والثلث يحتمله
قال الماوردي : جائزة ، كالوصية بالأعيان ؛ لأنه لما صح عقد الإجارة عليها ، فأولى أن تصح الوصية بها ، وسواء قيدت الوصية بمدة أو جعلت مؤبدة ، وقال الوصية بمنافع الأعيان ابن أبي ليلى :
[ ص: 220 ] إن قدرت بمدة تصح فيها الإجارة : صحت ، وإن لم تقدر بمدة تصح فيها الإجارة بطلت حملا للوصية على الإجارة .
وذهب الشافعي وأبو حنيفة ، وجمهور الفقهاء إلى جواز الوصية بها على التأبيد ، بخلاف الإجارة ؛ لأن الوصايا تجوز مع الجهالة كما لو أوصى بسهم من ماله وماله مجهول ، بخلاف الإجارة فإنها لا تصح مع الجهالة .
فإذا صح جوازها مقدرة ومؤبدة فقد ذكر الشافعي الوصية بخدمة العبد ، وبغلة الدار وبثمرة البستان ، فأما الوصية بخدمة العبد فله أن يستخدمه وله أن يؤجره .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز لمن أن يأمره اعتمادا على ما تضمنته الوصية من الاستخدام دون الإجارة . أوصى له بخدمة عبده
وهذا خطأ ؛ لأن الوصية بالخدمة كالوصية بالرقبة ، فلما كان الموصى له بالرقبة يجوز له المعارضة عليها ، لأنه قد ملكها بالوصية ، كان الموصى له بالخدمة أيضا يجوز له المعارضة عليها ؛ لأنه قد ملكها بالوصية .
فإذا ثبت هذا فالوصية بخدمته ضربان : إما مقدرة بمدة أو مؤبدة .
فإن قدرت بمدة كأنه قال : قد أوصيت لزيد بخدمة عبدي سنة ، فالوصية جائزة له بخدمة سنة .
والمعتبر في الثلث منفعة السنة دون الرقبة ، وفي كيفية اعتبارها وجهان :
أحدهما وهو قول ابن سريج : أنه يقوم العبد كامل المنفعة في زمانه كله ، فإذا قيل مائة دينار ، قوم وهو مسلوب المنفعة سنة ، فإذا قيل ثمانون دينارا فالوصية بعشرين دينارا وهي خارجة من الثلث ، إن لم يكن على الموصي دين .
والوجه الثاني : وهو الذي أراه مذهبا : أنه يقوم خدمة مثله سنة ، فتعتبر من الثلث ، ولا تقوم الرقبة ؛ لأن المنافع الممتلكة في العقود والغصوب هي المقومة دون الأعيان . وكذلك في الوصايا .
فإذا علم القدر الذي تقومت به خدمة السنة إما من العين على الوجه الأول ، أو من المنافع على الوجه الثاني نظر :
فإن خرج جميعه من الثلث ، صحت الوصية له بخدمة جميع السنة ، وإن خرج نصفه من الثلث ، رجعت الوصية إلى نصفها ، واستخدمه نصف السنة ، وإن خرج ثلثه من الثلث رجعت الوصية إلى ثلثها ، واستخدمه ثلث السنة .
فإذا تقرر أنه على هذه العبرة ، استحق استخدامه جميع السنة ، فلا يخلو أن يكون في التركة مال غير العبد ، أم لا ؟
[ ص: 221 ] فإن كان في التركة مال غير العبد إذا أمكن الموصى له من استخدامه سنة ، أمكن الورثة في تلك السنة أن يتصرفوا في التركة بما يقابل مثل العبد ، فللموصى له أن يستخدم جميع العبد سنة متوالية حتى يستوفي جميع وصيته ، والورثة يمنعون من التصرف في رقبة العبد حتى تمضي السنة ، فإن باعوه قبلها كان في بيعه قولان كالعبد المؤاجر .
وإن لم يكن في التركة مال غير العبد ولا خلف الموصي سواه ، ففي كيفية استخدام الموصى له سنة ثلاثة أوجه حكاها ابن سريج :
أحدها : أن يستخدمه سنة متوالية ، ويمنع الورثة من استخدامه والتصرف فيه حتى يستكمل الموصى له سنة وصيته ، ثم حينئذ يخلص للورثة بعد انقضائها .
والوجه الثاني : أن يستخدم ثلث العبد ثلاث سنين ، وتستخدم الورثة ثلثيه حتى يستوفي الموصى له سنة وصيته من ثلث العبد في ثلاث سنين ؛ لئلا يختص الموصى له بما لم يحصل للورثة مثلاه .
والوجه الثالث : أنه يتهيأ عليه الموصى له والورثة ، فيستخدمه الموصى له يوما ، والورثة يومين حتى يستوفي سنة وصيته في ثلاث سنين .
والوجه الأول أصح لأنهم قد صاروا إلى ملك الرقبة ، فلم يلزم أن يقابلوا الموصى له بمثلي المنفعة ، ولأن حق الموصى له في استخدام جميع العبد ، فلم يجز أن يجعل في ثلثه ، ولأن حقه متصل ومعجل فلم يجز أن يجعل مؤجلا أو مفرقا .