[ ص: 43 ] مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وجعلته مسلما وأعطيته من سهمان المسلمين حتى يعرب عن نفسه " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، وعلته أن أنه معتبر بحكم الدار التي وجد فيها فهي ضربان : دار الإسلام ، ودار الشرك ، فأما دار الإسلام فعلى ثلاثة أضرب : حكم اللقيط في إسلامه وكفره
أحدها : أن يتفرد المسلمون بها حتى لا يدخلها مشرك كالحرم ، فالمنبوذ إذا التقط في مثل هذه الدار محكوم بإسلامه في الظاهر والباطن لامتناع اجتماع الشرك الظاهر في أبويه .
والضرب الثاني : أن تكون دار الإسلام قد تخلطهم فيها أهل ذمة كالبصرة وبغداد أو معاهدون كأمصار الثغور ، فإذا التقط المنبوذ فيها كان مسلما في الظاهر دون الباطن ، وإنما حكمنا بإسلامه ظاهرا تغليبا لحكم الدار ، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الإسلام يعلو ولا يعلى ولم يحكم بإسلامه في الباطن قطعا لجواز أن يكون من ذمي أو معاهد . والضرب الثالث : أن تكون دار الإسلام قد تفرد أهل الذمة بسكناها حتى لا يساكنهم فيها مسلم ولا يدخلها مثل ، فإذا التقط المنبوذ فيه كان كافرا في الظاهر : لأن أهل الدار كفار ، وإن كانت يد المسلمين عليهم غالبة وأحكام الإسلام فيهم جارية . بلد من بلاد الشرك فتحه المسلمون صلحا أو عنوة فأقروا أهله فيه على أن لا يخالطهم غيرهم
وأما دار الشرك فعلى ثلاثة أضرب أيضا :
أحدها : ما كان من بلادهم التي ليس فيها مسلم ، فإذا التقط المنبوذ منها جرى عليه حكم الشرك اعتبارا بحكم الدار .
والضرب الثاني : ما كان من بلاد الشرك فيها مسلمون ولو واحد كبلاد الروم ، فإذا التقط المنبوذ فيها ففيه وجهان :
أحدهما : أنه مشرك في الظاهر اعتبارا بحكم الدار . والوجه الثاني وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : والظاهر من كلام الشافعي أنه يكون مسلما في الظاهر تغليبا لحكم الإسلام .
والضرب الثالث : : كان من بلاد الإسلام التي غلب عليها المشركون حتى صارت دار شرك كطرسوس ، وأنطاكية وما جرى مجرى ذلك من الثغور المملوكة على المسلمين ، فإذا التقط المنبوذ فيها نظر ، فإن كان فيها أحد المسلمين ولو واحدا جرى على الملقوط فيها حكم الإسلام .
وإن لم يكن فيها أحد من المسلمين أجري عليه حكم الشرك في الظاهر لبعد المسلمين عنها وامتناع حكمهم فيها .