أحدهما : لا يجوز أن يحمي ، لرواية مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : . المسلمون شركاء في ثلاث : الماء ، والنار ، والكلأ وثمنه حرام
روى عبيد الله بن عبد الله بن عباس ، عن الصعب بن جثامة البقيع وقال : لا حمى إلا لله ولرسوله . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمى
والقول الثاني : يجوز له أن يحمي ، لما فيه من صلاح المسلمين ، ولما روي أن أبا بكر - رضي الله عنه - حمى بالربذة لإبل الصدقة واستعمل عليه مولاه أبو أسامة وتولاه عليه قرط بن مالك ، وحمى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الشرف فحمى منه نحو ما حمى أبو بكر - رضي الله عنه - بالربذة وولى عليه مولى له يقال له : هني وقال : يا هني ، ضم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة ، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة ، وإياك ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف ، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ، وإن رب [ ص: 484 ] الصريمة والغنيمة يأتيني بعياله فيقول : يا أمير المؤمنين ، يا أمير المؤمنين ، أتاركهم أنا ؟ لا أبا لك ، فالكلأ أهون علي من الدينار والدرهم ، وايم الله نودي أني قد طلحتهم إنما أكلأهم ، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا .
فأما قوله : فهو عام خص منه الحمى على أن الحمى يشرك فيه المسلمون : لأن نفع الحمى يعود على كافتهم من الفقراء والأغنياء ، أما الفقراء فلأنه مرعى صدقاتهم ، وأما الأغنياء فلخيل المجاهدين عنهم ، وأما قوله : لا حمى إلا لله . فمعناه لا حمى إلا أن يقصد به وجه الله كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم فيما حماه للفقراء المسلمين وفي مصالحهم ، وخالف فيه فعل الجاهلية ، فإن العربي في الجاهلية كان إذا استولى على بلد أوفى بكلب فجعله على جبل ، أو على شيء من الأرض واستعواه ، فحيث انتهى عواه حماه لنفسه فلا يرعى فيه غيره ويشارك الناس فيما سواه ، وهكذا كان المسلمون شركاء في ثلاث كليب بن وائل إذا أعجبته روضة ألقى فيها كلبا وحمى إلى منتهى عوائه ، وفيه يقول معبد بن شعبة الضبي :
كفعل كليب كنت أنبئت أنه مخطط أكلأ المياه ويمنع
وقال العباس بن مرداس :كما بغيها كليب لظلمة من العز حتى ضاع وهو قتلها
على وائل أن يترك الكلب هائجا وإذ يمنع الإكلأ منها حولها