مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو اكتراها ليزرعها قمحا ، فله أن يزرعها ما لا يضر بالأرض إلا إضرار القمح " .
قال الماوردي : وهذا كما قال . إذا ، فله أن يزرع الحنطة وغير الحنطة ؛ مما يكون ضرره مثل ضرر الحنطة أو أقل ، وليس له أن يزرعها ما ضرره أكثر من ضرر الحنطة ، وقال استأجر أرضا ليزرعها حنطة داود بن علي : " لا يجوز إذا استأجرها لزرع الحنطة أن يزرعها غير الحنطة ، وإن كان ضرره أقل من ضرر الحنطة استدلالا بقوله تعالى : أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] ، فلم يجز العدول عما تضمنه العقد ، قال : ولأنه لما لم يجز إذا اشترى بدراهم بأعيانها أن يدفع غيرها من الدراهم وإن كانت مثلها لما فيه من العدول عما اقتضاه العقد ، كذلك في إجارة الأرض لزرع الحنطة لا يجوز أن يعدل فيها عن زرع الحنطة .
ودليلنا : هو أن إنما هو لتقدير المنفعة به لا لتعيين استيفائه ، ألا تراه لو تسلم الأرض ، ولم يزرعها لزمته الأجرة : لأن ما تقدرت به المنفعة المستحقة قد كان ممكنا من استيفائه ، ولو تعين الاستيفاء بالعقد ما لزمته الأجرة . ذكر الحنطة في إجارة الأرض
فإذا ثبت أن ذكر الحنطة لتقدير المنفعة ، فهو إذا استوفى المنفعة بما تقدرت به في العقد وبغيره جاز ، كما لو استأجر لحمل قفيز من حنطة فحمل قفيزا غيره ، وكما لو استأجرها ليزرع حنطة بعينها فزرع غيرها ، ولأن عقد الإجارة يتضمن أجرة يملكها المؤجر ومنفعة يملكها المستأجر ، فلما جاز للمؤجر أن يستوفي حقه من الأجرة كيف شاء بنفسه وبوكيله وبمن يحيله ، جاز للمستأجر أن يستوفي حقه من المنفعة كيف شاء بزرع الحنطة وغير الحنطة ، وبإعارتها لمن يزرعها وبتركها وتعطيلها .
فأما استدلاله بقوله تعالى : أوفوا بالعقود [ المائدة : 1 ] ، فمثل الحنطة مما تضمنه العقد بما دللنا .
وأما الجواب عما استدل به من تعيين الأثمان بالعقد فكذا في الإجارة ، فهو أن الفرق بينهما في التعيين متفق عليه : لأن الدراهم تتعين بالعقد حتى لا يجوز العدول إلى جنسها ، والحنطة لا تتعين في عقد الإجارة ، وإنما الخلاف في تعيين جنسها ، ألا تراه لو استأجرها لزرع حنطة بعينها جاز له العقود إلى غيرها من الحنطة ، فكذلك يجوز أن يعدل إلى غير الحنطة .
[ ص: 464 ]