مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " أريتهما القافة فأيهما ألحقوه به جعلناه ابنه وورثناه منه وجعلنا أمه أم ولد وأوقفنا ابنه الآخر وأمه فإن لم تكن قافة لم نجعل واحدا منهما ابنه وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه وأوقفنا الآخر وأمه " . وإذا كانت له أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد أن أحدهما ابنه ، ولم يبين فمات
قال الماوردي : وصورتها في رجل له أمتان لكل واحدة منهما ولد ، قال : أحد هذين ابني فتأثير إقراره معتبر بشرطين :
أحدهما : أن لا يكون لهما زوج فإن ذات الزوج ولدها لاحق به .
والثاني : أن لا تعلم إحداهما فراشا للسيد بالإصابة ؛ لأنهما إذا صارت فإذا وجد الشرطان فصورة المسألة في تأثير إقراره . وله في الأم ثلاثة أحوال :
إحداها : أن يقول وطئتها في ملكي .
والثانية : أن يقول وطئتها في غير ملكي .
والثالثة : أن يطلق .
فيؤخذ بعد إقراره ببيان ولده منهما فإذا أبان أحدهما ثبت نسبه وصار حرا وصارت أمه أم ولد تعتق بموته إن أقر أن الوطء حصل وهي في ملكه ، وإن أقر بوطئها في غير ملكه كانت أمة . وإن أطلق سئل وعمل على قوله منها .
فإن مات قبل البيان سئل وارثه فإن كان عنده بيان عمل عليه وكان على ما ذكرناه من بيانه في ثبوت النسب ولحوق الرد وكون أمته أم ولد إن أقر بوطئها في ملكه وإن أقر أنه وطئها [ ص: 106 ] في غير ملكه فهي أمة لا تعتق بموت السيد ولكن تعتق بعد موته بميراث الابن لها ؛ لأن من ملك أمه عتقت عليه . وإن لم يكن عند الوارث بيان وجب أن يرجع إلى بيان القافة إن وجدوا لما في قولهم من تمييز الأنساب المشتبهة فإذا بينوا أحدهما لحق به وصار حرا وعتقت أمه بموت السيد إن كانت أم ولد بإقراره ، أو يملكها ابنها إن جعلت أمه بوطئها في غير ملك . وإن أطلق ففي ظاهر إطلاقه وجهان :
أحدهما : الإصابة في الملك فتكون أم ولد .
والثاني : في غير الملك ليستديم لها حكم الرق .
فإن جعلت أم ولد عتقت على السيد بموته . وإن جعلت أمة عتقت على الابن بملكه وكان الولد الآخر وأمه مملوكين .
واستدلال القافة في إلحاق أحدهما بالمقر بعد موته يكون من وجوه ثلاثة :
إما أن يكونوا عارفين بالمقر فيستدلوا بما قد عرفوه من شبهه بالولد .
وإما أن لا يعرفوه فيتعجلوا النظر إليه قبل دفنه .
وإما أن يفوتهم ذلك فيستدلوا بشبه عصبته .
فإن لم يكن في القافة بيان لعدمهم أو لاشتباه الأمر عليهم فقد فات ما يستدلون به من لحوق النسب وهو أحد أحكام الولد ؛ لأن له أحكاما ثلاثة :
أحدهما : ثبوت النسب .
والثاني : الحرية .
والثالث : الميراث .
فإذا انتفى ثبوت النسب سقط الميراث ؛ لأنه لا يجوز أن ينفرد عن النسب وتثبت الحرية التي تجوز أن تنفرد عن النسب ويمكن تمييزها بالقرعة إذا فات البيان بالقافة فيقرع حينئذ بين الولدين فإذا قرع أحدهما صار حرا ، ولم يثبت نسبه وقال أبو علي بن خيران : فيصير بالقرعة ولدا حرا ؛ لأن الحرية تثبت له بالولادة فلا يجوز أن يرتفع أصلها ويبقى حكمها . وهذا خطأ ؛ لأن القرعة لا تدخل في تمييز الأنساب المشتبهة وتدخل في تمييز الحرية المشتبهة ألا ترى أن تنازع رجلين في ولد يمنع من الإقرار بينهما في نسبه ، وإشكال الحرية بين عبدين يوجب دخول القرعة بينهما في حريته وصارت القرعة هاهنا في إثبات أحد الحكمين بمثابة الشاهد ، والمرأتين في السرقة في ثبوت الغرم دون القطع ثم إذا عتق أحد الولدين بالقرعة نظر حال أمه فإن كان قد أقر بوطئها في ملكه عتقت لكونها أم ولد ثم يجري عتقها بموت السيد وإن كان قد [ ص: 107 ] أقر بوطئها في غير ملكه فهي مرقوقة لا تعتق على الولد ؛ لأن الولد لم يرث فتعتق عليه بملكه ، وإن كان قد أطلق إقراره ، فعلى وجهين :
أحدهما : قد صارت له أم ولد فعتقت عليه بموته .
والثاني : أنها أمة لورثته .
وأما الولد الآخر وأمه ، فعلى رقهما ، والله أعلم .