مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا ، فإن كان متصلا ببناء أحدهما اتصال البنيان الذي لا يحدث مثله إلا من أول البنيان جعلته له دون المنقطع منه ، وإن كان يحدث مثله بعد كمال بنيانه ، مثل نزع طوبة وإدخال أخرى ، أحلفتهما بالله وجعلته بينهما ، وإن كان غير موصول بواحد من بنائهما أو متصلا ببنائهما جميعا جعلته بينهما بعد أن أحلف كل واحد منهما " . تداعى رجلان جدارا بين داريهما
قال الماوردي : وصورتها في حائط بين دارين تنازعه المالكان ، وقال كل واحد منهما : هو لي دونك ، ولا بينة لواحد منهما على دعواه .
فلا يخلو حال الحائط من ثلاثة أقسام :
إما أن يكون متصلا ببنائهما ، أو يكون منفصلا عن بنائهما ، أو يكون متصلا ببناء أحدهما منفصلا عن بناء الآخر .
فإن كان متصلا ببنائهما أو منفصلا عن بنائهما فهما في الحكم سواء على ما نذكره .
وإن كان متصلا ببناء أحدهما دون الآخر ، واتصاله هو أن يكون بناء أحدهما قد اتصل ببنية الحائط على ما لا يمكن إحداث مثله بعد كمال البناء فصارت حائطين أحدهما المعارضة ، مسنده بالحائط المتنازع فيه سواء كان اتصال تربيع أم لا .
وقال أبو حنيفة : اتصال البناء أن يكون تربيع دار أحدهما مسنده بالحائط المتنازع فيه ولا يكون اتصال بعض الحدود مؤثرا ، [ ص: 386 ] وهذا خطأ ، لأن اتصاله ببعض حدود الدار مما لا يمكن إحداثه بعد كمال البناء .
كما أن اتصاله بجميع الحدود تربيعا لا يمكن إحداثه بعد كمال البناء ، فوجب أن يكون الحكم فيهما على سواء .
فأما إن كان على الحائط لأحدهما أزج أو قبة نظر في الحائط ، فإن كان قد بني من أساسه متعرجا على ما جرت به عادة بعض القباب والأزاج فهذا اتصال ، لأن هذا التعريج لا يمكن إحداث مثله بعد كمال البناء .
وإن لم يكن بناء الحائط متعرجا فالأزج المبني عليه والقبة لا يكون متصلا بالحائط كله ، لأن إحداث مثل الأزج والقبة على الحائط بعد كمال البناء ممكن ، فصار كالأجذاع ، لكن ما كان من أعلى الحائط خارجا عن تعريج القبة والأزج فهو لصاحب القبة والأزج ، وما انحدر عنه من انتصاب الحائط في حكم المنفصل غير المتصل ، وأما إن كان الحائط المتنازع فيه ينتهي طولا إلى أن يتجاوز ملك أحدهما ولا يتجاوز ملك الآخر مثل أن يكون طول الحائط عشرين ذراعا وعرصة أحدهما عشرة أذرع وعرصة الآخر عشرون ذراعا فيتنازعان من الحائط ما كان بين عرصتيهما معا دون القدر المجاوز فقد اختلف أصحابنا هل يكون هذا في حكم المتصل أو المنفصل ؟ على وجهين :
أحدهما : يكون في حكم المتصل لأن ما اتصل بعرضه في بناء أحدهما بمثل ما اتصل بطوله .
والوجه الثاني : أن لا يكون متصلا ويكون في حكم المنفصل ؛ لأن اتصال العرض لا يمكن إحداثه بعد كمال البناء واتصال الطول يمكن إحداثه بعد كمال البناء .
فإذا ثبت أن الاتصال ما ذكرنا وكان متصلا ببناء أحدهما دون الآخر فهو لمن اتصل ببنائه بعد أن يحلف لصاحبه ، وإنما كان كذلك لأمرين :
أحدهما : أن اتصاله بما له تصرف فيه يد ، وصاحب اليد المتصرفة أحق من غيره ، كمن نوزع شيئا في يده .
والثاني : أن اتصاله بملكه دليل على تملكه ، كمن نوزع بناء في أرضه كان لصاحب الأرض دون منازعة ، ثم لزمته اليمين ؛ لأن هذا دال على الملك وليس بموجب له ، فلزمت فيه اليمين كاليد .