فصل : فإذا ثبت جواز فلا يخلو حال ذي المال من أربعة أحوال : الحجر على الكبير بالسرف والتبذير
أحدها : أن يكون مصلحا لدينه مصلحا لماله ، فهذا هو الرشيد الذي يجوز أمره وتصح عقوده .
والحال الثاني : أن يكون مفسدا في دينه لظهور فسقه مفسدا في ماله لظهور تبذيره فهذا هو السفيه الذي يستحق الحجر عليه بما نذكره من أحوال التبذير .
والحال الثالث : أن يكون مصلحا لدينه مفسدا لماله بالتبذير له فلا يخلو حال تبذيره من أربعة أقسام :
أحدها : أن يكون بالغبن الذي يلحقه في بيوعه وأشريته فهذا يستحق الحجر به .
القسم الثاني : أن يكون التبذير بإنفاق ماله في المعاصي فهذا أيضا مما يوجب الحجر عليه .
والقسم الثالث : أن يكون التبذير بإنفاق ماله في الطاعات والصلات فليس ذلك تبذيرا وهو فيه مأجور والحجر عليه غير جائز .
القسم الرابع : أن يكون تبذيره بإنفاق ماله في ملاذه والإسراف في ملبوسه والإنفاق في شهواته حتى يتجاوز في جميعها الحد المألوف والقدر المعروف ، ففي وجوب الحجر عليه وجهان :
أحدهما : يحجر عليه بذلك لأنه إنفاق في غير حق .
والوجه الثاني : لا حجر عليه في ذلك لإباحته ، فهذا حكم الحال الثالث .
وأما الحال الرابعة : فهو أن يكون مصلحا في ماله مفسدا في دينه لفسقه وفجوره فقد اختلف أصحابنا في وجوب الحجر عليه ، فقال أبو العباس بن سريج : يجب الحجر عليه بفسقه وإن كان مصلحا في ماله لأنه لما كان فساد الدين شرطا في استدامة الحجر كان شرطا في ابتداء الحجر كالفساد في المال ، وقال أبو إسحاق المروزي : لا يجوز الحجر عليه إذا كان مصلحا في ماله لعدم التأثير به ، وفرق بين الكبير والصغير في استدامة الحجر على الصغير بإفساد الدين ، وعدم ابتداء الحجر على الكبير بإفساد الدين ؛ بأن الصغير قد ثبت الحجر عليه فلم يرتفع إلا برشد كامل ، والكبير مرفوع الحجر فلم يثبت عليه إلا بسفه كامل .
[ ص: 358 ]