فصل : والضرب الثاني : أن يكون تصرفه وعقوده متعلقا بما في يده ، مثل أن يبيع من ماله متاعا أو يهب مالا أو يكاتب عبدا أو يحدث عتقا له فقد خالف ما يقتضيه الحجر من المنع من التصرف ، وفي عقوده قولان مبنيان على ما ذكرنا من اختلاف قوليه في معنى الحجر :
أحدهما : أن جميعها باطلة إذا قيل إن الحجر عليه جار مجرى حجر السفه لبطلان عقود السفيه ورد تصرفه .
والقول الثاني : أنها جائزة وتكون موقوفة إذا قيل إن الحجر عليه جار مجرى حجر المرض لصحة عقود المريض ووقوفها على إجازة الورثة .
وعلى هذا كان جميع ما فعله من بيع وكتابة وعتق ماضيا نافذا لا اعتراض فيه ، وإن لم يمكن في الباقي من ماله وفاء لدينه وجب أن يرد تصرفه وتنقض عقوده ويبدأ منها بما ليس في مقابلته عوض كالهبة والعتق ، فإن كان فيها وفاء لم يعرض لفسخ عقود المعاوضات وأمضيت ، وإن لم يكن فيها وفاء فسخت الكتابة قبل البيع ، فإن كان فيها وفاء لم يعرض لفسخ البيع ، وإن لم يكن فيها وفاء لم يخل حال المبيع من ثلاثة أحوال : إذا كان فيما بقي من ماله بعد تصرفه وفاء لدينه بسعر زاد أو ربح حدث أو كسب استفيد
أحدها : أن يكون قد باعه بأقل من ثمنه حتى صار مغبونا ، فهذا يفسخ عليه ويسترجع المبيع من مشتريه .
والثاني : أن يكون قد باعه بأكثر من ثمنه حتى صار غابنا ، فهذا البيع ماض ولا معنى لفسخه ؛ لأن إمضاء البيع أوفر لحقوق الغرماء للزيادة الحاصلة في ثمنه فلم يجز إبطالها عليهم بالفسخ .
والحال الثالثة : أن يكون قد باعه بمثل ثمنه من غير زيادة ولا نقص ، فهذا ينظر فيه فإن كان الثمن قد زاد قيمته أو المبيع قد نقص سعره أمضى العقد ولم يفسخ عليه لما في فسخه من دخول النقص ، وإن كان على حاله لم يزد الثمن ولا ينقص سعر المثمن فهذا ينظر فيه ، فإن [ ص: 321 ] كان الثمن قد استهلكه المفلس حتى صار في ذمته فسخ البيع ، لأن يستفاد بفسخه ببيع السلعة المبيعة في حقوق الغرماء ، وما يستحقه المشتري من الرجوع بالثمن هو دين في ذمة المفلس على ما يستفيده من المال بعد فك الحجر عنه ، ولا يشارك الغرماء لأنه دين حدث عن معاملة بعد فلسه ، وهكذا القول فيما ذكرنا إذا باع بأكثر من الثمن وكان الثمن مستهلكا فسخ البيع أيضا ، وأما إذا كان الثمن باقيا معينا فظاهر إطلاق الشافعي وأصحابه يقتضي أن يفسخ عليه ، والصحيح عندي : أنه لا يفسخ ، لأن فسخ عقوده إنما يكون لضرورة يستفاد بها شيء ، والفسخ هاهنا لا يفيد شيئا لأنه إن أوجب استرجاع المبيع ليباع في حقوق الغرماء أوجب ذلك رد الثمن إلى المعين الباقي في يد المفلس وهما في القيمة سواء ، فكان إمضاء البيع ليكون الثمن معينا في حقوق الغرماء كفسخ البيع ليباع المبيع في حقوق الغرماء ، فلم يكن للفسخ تأثير فلم يجز أن يفسخ عليه .
فإن قيل : إمضاء البيع الأول وبيع الثمن قد يستحق به دركا كان هذا فائدة الفسخ ، قيل : ما لم يكن موجودا وقت العقد فلا معنى لتوهمه ليفسخ به العقد ، ولو جاز هذا لجاز فسخ جميع العقود لمعان متوهمة .